فصل: سنة ستين وخمس مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة خمس وأربعين وخمس مائة

فيها أخذت العربان ركب العراق وأخذ للماتون - أخت السلطان مسعود - ما قيمته مائة ألف دينار وتمنق الناس‏.‏

ومات خلق جوعاً وعطشاً‏.‏

وفيها نازل نور الدين دمشق وضايقها ثم خرج إليه صاحبها مجير الدين ووزيره ابن الصوفي فخلع عليهما ورد إلى حلب - ونفوس الناس قد أحبته لما رأوا من دينه -‏.‏

وفيها توفي المبارك بن أحمد الكندي البغدادي الخباز سمع أبا نصر الزينبي وعاصم ابن الحسن وطائفة‏.‏

وفيها توفي إلىئيس أبو علي الحسين بن علي النيسابوري روى عن الفضل بن المحب وجماعة‏.‏

فيها توفي الحافظ أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الجبار وكان صألفا فاضلاً متواضعا سمع جماعة من شيوخ زمانه‏.‏

وفيها توفي أبو الأسعد عبد الرحمن بن عبد الواحد ابن الشيخ أبي القاسم القشيري خطيب نيسابور ومسندها‏.‏سمع من جده حضوراً ومن جدته فاطمة بنت الدقاق ويعقوب ابن أحمد الصيرفي وطائفة‏.‏

وروى الكتب الكبار كالبخاري ومسند أبي عوانة‏.‏

وفيها توفني الحافظ أبو الوليد الدباغ يوسف بن عبد العزيز اللخمي ثم القرشي‏.‏

 سنة سبع وأربعين وخمس مائة

وفيها توفي المقرىء الأستاذ أبو عبدالله محمد بن الحسن المعروف بألفاني‏.‏

أخذ القراءات عن أبي داود وغيره وسمع الحديث وتصدر للإقراء وتعليم العربية وكان مشاركاً في علوم جمة صاحب تحقيقات وإتقان ولي خطابة بلده‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الفقيه الشافعي

ولد ببغداد وسمع جماعة منهم ابن الشامون وابن المهتدي وابن الخياط‏.‏

وكان ثقة صألفا تفقه على الشيخ أبي إسحاق وانتهى إليه علو الإسناد بالعراق وولي قضاء دير ألفاقول‏.‏

وفيها توفي محمد بن منصور النيسابوري‏.‏

شيخ صالح سمع القشيري ويعقوب الصيرفي والكبار - رحمه الله -‏.‏

وفيها توفي السلطان مسعود بن محمود بن ملكشاه السلجوقي‏.‏

استقل بالملك وامتدت أيامه وكان منهمكاً في اللهو واللعب عاش خمساً وأربعين سنة وكان قد آذى المقتفي فقبض عليه شهراً فمات‏.‏

وقيل‏:‏ حدث به القيء وغلبه الغثيان واستمر به ذلك إلى أن توفي‏.‏

وكان قد اقتتل هو وأخوه محمود على الملك فالتقيا فانتصر عليه محمود ثم تقلبت الأحوال بمسعود المذكور إلى أن تسلطن وكان سلماناً عادلاً لين ألفانب كبير النفس ففيق مملكته على أصحابه ولم يكن له من السلطنة غير الاسم وكان حسن الأخلاق كثير المناح والانبساط مع الناس فمن ذلك أن أتابك زنكي - صاحب الموصل - أرسل إليه القاضي كمال الدين محمد بن عبدالله بن أبي القاسم الشهرزوري في رسالته فوصل إليه وأقام معه في العسكر فوقف يوماً على خيمة الوزير حتى قارب أذان المغرب فعاد إلى خيمته فأذن المغرب - وهو في الطريق - فيأى إنساناً فقيهاً في خيمة فنزل إليه فصلى معه ثم سآله كمال الدين‏:‏ من أين أنت فقال‏:‏ أنا قاضي مدينة كذا فقال له كمال الدين‏:‏ القضاة ثلاثة قاضيان في النار وهما أنا وأنت وقاض في الجنة - وهو من لا يعرف أبواب هؤلاء الظلمة ولا يراهم - فلما كان من الغد أرسل السلطان وأحضر كمال الدين إليه فلما دخل كمال الدين عليه ورآه ضحك وقال‏:‏ القضاة ثلاثة‏.‏

فقال كمال الدين‏:‏ نعم يا مولانا فقال‏:‏ والله صدقت ما أسعد من لا يرانا ولا نراه‏.‏

فيها خرجت الغز على أهل خراسان وهم تركمان ما وراء اللهر فالتقاهم سنجر فاستباحوا عسكره قتلاً واسراً ثم هجموا نيسابور فقتلوا فيها قتلاً ذريعاً ثم أخذوا بلخ وأسر السلطان سنجر فبقي في أيديهم - وكانوا نحو مائة ألف - فلما ملكت الخطا ما وراء اللهر طردوا عنها هؤلاء الغز فنزلوا بنواحي بلخ ثم ساروا وعملوا بخراسان ما لا يعمله الكفار من القتل والأسر والخراب والمصادرة والعذاب ثم تجمع عسكر خراسان فواقعوا الغز وقعات كان الظفي في أكثرها للغز‏.‏وفي السنة المذكورة أخذت الفرنج عسقلان بعد عدة حصارات وكان المصريون يمدونها بالرجال والذخائر فاختلف عسكرها وقتل منهم جماعة فاغتنم الفرنج غفلتهم فيكبوا الأسوار ودخلوها‏.‏

وفيها توفي الزاهد ألفابد أبو العباس أحمد بن أبي غالب البغدادي الوراق‏.‏

زاره السلطان مسعود في مسجده فتشاغل عنه بالصلاة وما زاده على أن قال‏:‏ يا مسعود اعدل وادع لي الله أكبر وأحرم بالصلاة فبكى السلطان وأبطل المكوس والضرائب وتاب‏.‏

وفيها توفي أبو الحسين إلىفاء أحمد بن منير الأطرابلسي ألفاعر المشهور‏.‏

وكان رافضياً هجاء فائق النظم وله ديوان‏.‏وفيها توفي أبو عبدالله محمد بن نصر المخزومي ألفالدي المعروف بابن القيسراني ألفاعر المشهور ومن الشعراء المجيدين والأدباء المتفننين - وكان بينه وبين ابن منير المذكور معارضة كجرير والفيزدق في زمانهما وبينهما مهاجاة ومكاتبات وأجوبة وكانا مقيمين وإذا الكريم رأى الخمول نزيله في منزل - فالحزم أن يترحلا فالبدر لما أن تضاءل جد في طلب الكمال فحازه متنقل سفهاً لحلمك إن رضيت بمشرب رنق - ورزق الله قد ملأ الملا - ساهمت عيسك مر عيشك قاعداً افلا فليت بهن ناصية الفل فارق ترق كالسيف سل فبان في متنيه ما أخفى القراب وأخمل لا تحسبن ذهاب نفسك ميتة ما الموت إلا أن تعيش مذلل لا ترض من دنياك ما أرضاك من دنس وكن طيفاً - جلى ثم انجل وصل آلهجير بهجر قوم كلما أمطرتهم شهداً جنوا لك حنظلا لله علمي بالزمان وأهله ذنب الفضيلة عندهم أن تكمل طبعوا على لؤم الطباع فخيرهم إن قلت قال وإن سكت تأولا أنا من إذا ما الدهر هم بخفضه سامته همته السماك الأعزلا والطرابلسي نسبة إلى طرابلس وهي مدينة بساحل الشام قريبه من بعلبك وقد تزاد آلهمنة في إلىنق‏:‏ بإلىاء والنون وألفاف‏:‏ قال في الصحاح‏:‏ وإلىنق بالتحريك‏:‏ مصدر قولك‏:‏ رنق الماء بالكسر إذا تكدر وعيش رنق‏:‏ أي كدر والله أعلم - ومن شعر ابن القيسراني‏:‏ والله لو أنصف العشاق أنفسهم فدوك فيها بما عزوا وما صانوا ما أنت حين تغشى في مجالسهم إلا نسيم الصبا والقوم أغصان وله هذا البيت من قصيدة وكان كثير الإعجاب به‏:‏ وأهوى الذي أهوى له البدر ساجداً ألست تري في وجهه أثر الترب ومن معانيه البديعة قوله من جملة قصيدة رائقة‏:‏ هذا الذي سلب العشاق نومهم أما ترى عينه ملأى من الوسن ألفالدي نسبة إلى خالد بن الوليد المخزومي‏.‏

قال ابن خلكان هذا بزعم أهل بيته وأكثر المؤرخين وعلماء الأنساب يقولون إن خألفا - رضي الله تعالى عنه - لم يتصل نسبه بل انقطع منذ زمان - والله أعلم -‏.‏وفيها توفي أبو الفتح عبد الملك بن عبدالله الكروخي آلهرو المشهور بالخير والصلاح رحمه الله‏.‏

وفيها توفي الزاهد الواعظ أبو الحسن علي بن الحسن درس بالصادرية وقام عليه الحنابلة لأنه تكلم فيهم وكان معظماً مفخماً في الدولة معرضاً عن الدنيا‏.‏

وفيها توفي الملك العادل علي بن السلار الكردي ثم المصري وزير الظافي العبيدي صاحب مصر‏.‏

وكان سنياً شافعياً شجاعاً مقداماً شهماً مائلاً إلى أرباب الفضل والصلاح عمر بالقاهرة مساجد وكان مع هذه الأوصاف ذا سيرة جائرة وسطوة قاهرة‏.‏

يحكى أنه دخل يوماً على الموفق أبي الكرم بن المعصوم فشكا إليه حآله من غرامة لزمته بسبب الولاية فلما أطال عليه الكلام قال له‏:‏ والله إن كلامك لا يدخل في أذني فحقد عليه لذلك فلما ترقى إلى درجة الوزارة طلبه فخاف منه واستتر مدة فنادى عليه في البلد وأهدر دم من يخفيه فأخرجه الذي خبأه فخرج في زي امرأة بإزار وخف فعرف وأخمد وحمل إلى الملقب بالعادل فأمر بإحضار لوح خشب ومسمار طويل وأمر به فألقي على جنبه وطرح اللوح تحت أذنه ثم ضرب المسمار في أذنه الآخرى وصار كلما صرخ يقول له‏:‏ دخل كلامي في أذنك أم لا ولم يزل كذلك حتى نفذ المسمار من الأذن التي على اللوح ثم عطف المسمار على اللوح ويقال إنه شنقه بعد ذلك ثم آل الأمر إلى أن جهز عسكراً إلى جهة الشام وجعل عليه عباس بن أبي الفتوح مقدماً فكره المقدم المذكور فياق الديار المصرية وما هو عليه فيها من إلىاحة وما يقاسيه في لماء العدو فيزق على العادل من قتله على فياشه في واقعة يطول ذكرها نسأل الله ألفافية من شر الدنيا وغوائلها‏.‏وفيها توفي أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني المتكلم على مذهب الأشعري كان إماماً مبرزاً فقيهاً متكلماً تفقه على أبي نصر القشيري وأحمد الخوافي وغيرهما وبرع في الفقه وقرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري وتفيد فيه‏.‏

وصنف كتباً منها نهاية الإقدام في علم الكلام‏:‏ وكتاب الملل والنحل وتلخيص الأقسام لمذاهب الأنام في الكلام وكان كثير المحفوظ حسن المحاورة يعظ الناس‏.‏

دخل بغداد وأقام بها ثلاث سنين فظهر له قبول كثير عند العوام وسمع الحديث من علي ابن المديني وغيره وكتب عنه الحافظ أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني وذكره في كتاب الذيل‏.‏

وشهرستان‏:‏ بفتح السين المعجمة وإلىاء وسكون آلهاء بينهما والسين المهملة بعد إلىاء وقبل الألف المثناة من فوق وبعدها نون‏:‏ وهو اسم لثلاث مدن‏:‏ الأولى في خراسان بين نيسابور وخوارزم وهي المشهورة ومنها أبو الفتح المذكور والثانية قصبة بناحية نيسابور من أرض فارس‏.‏

والثالثة مدينة جي بأصبهان بينها وبين مدينة أصبهان نحو ميل وبها قبر الإمام إلىاشد بن المسترشد‏.‏

وكان الشهرستاني المذكور يروي بالإسناد المتصل إلى النظام البلخي العالم المشهور ابراهيم بن بشار أنه كان يقول‏:‏ لو كان للفياق صورة لارتاع لها القلوب ولهدأ الجبال ولجمر الغضا أقل توهجاً من حمله ولو عذب الله أهل النار بالفياق لاستراحوا إلى ما قبله من العذاب‏.‏

وكان يروي للدريدي أيضاً باتصال الإسناد إليه ومن قوله‏:‏ ودعته حين لا تودعه روحي ولكنها تسير معه ويروي أيضاً مسنداً إليه‏:‏ يا راحلين بمهجة في الحب متلفة شقيه الحب فيه بلية وبليتي فوق البلية كل ذلك رواه ابن السمعاني في الذيل‏.‏

وفيها توفي الإمام العلامة محيي الدين محمد بن يحيى النيسابوري شيخ الشافعية وصاحب الغزالي‏.‏

انتهت إليه رئاسة المذهب بخراسان وقصده الفقهاء من البلاد صنف التصانيف ودرس بنظامية بلده واستفاد منه خلق كثير وبرع علماً وزهداً وصنف كتاب‏:‏ المحيط في شرح الوسيط والإنصاف في مسائل الخلاف وغير ذلك من الكتب‏.‏

ذكره الحافظ عبد ألفافي ألفارسي في تاريخ نيسابور وأثنى عليه وقال‏:‏ كان له حظ في التذكير واستمداد في سائر العلوم وكان يدرس بنظامية نيسابور ثم درس بمدينه هراة في المدرسة النظامية ومن جملة مسموعاته ما سمعت من الشيخ أحمد بن علي المعروف بابن عبدوس بقراءة الإمام أبي نصر عبد الرحمن ابن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم القشيري في سنة ست وتسعين وأربع مائة‏:‏ وحضر بعض فضلاء عصره وسمع فوائده وحسن ألفاظه فأنشده‏:‏ رواة الدين والإسلام تحيى بمحيي الدين مولانا ابن يحيى توفي شهيداً - رحمه الله تعالى في شهر رمضان قتلته الغز لما استولوا - على نيسابور ولما مات رثاه جماعة من العلماء ومن جملتهم أبو الحسن علي بن أبي القاسم البيقهي قال فيه‏:‏ يا سافكاً دم عالم متبحر قد طار في أقصى الممالك صيته بالله قل لي يا ظلوم ولا تخف من كان محيي الدين كيف تميته وفيها توفي الحافظ خطيب مرو أبو طاهر محمد بن محمد المروزي‏.‏

تفقه على أبي المظفر السمعاني وغيره وسمع من طائفة‏.‏

وكذا معرفة وفهم مع الثقة والفضل والتعفف‏.‏

وفيها توفي شيخ الصوفية ببلدة الخطيب أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الكشميهني المروزي آخر من روى كتاب البخاري عن محمد بن أبي عمران‏.‏

وفيها توفي هبة الله بن الحسين بن أبي شريك ألفاسب وكان حشوياً مذموماً‏.‏

‏:‏ فيها توفي صاحب الأحوال والكرامات أبو الحسن المقدسي‏.‏

 سنة تسع وأربعين وخمس مائة

فيها تمكن المقتفي بموت السلطان مسعود وعرض عسكره وكانوا ستة آلاف فارس فأنفق فيهم ثلاثمائة ألف دينار وجهزهم مع الوزير ابن هبيرة‏.‏وحرض بعض كبار الدولة السلطان محمد على قصد العراق واستأذن في التقدم فأذن في ذلك فجمع التركمان وجاؤوا فسار لحربهم المقتفي ونازلهم أياماً ثم عمل المصاف في رجب فانهزمت ميسرة المقتفي فحمل بنفسه ورفع الصرخة وسل السيف وصاح‏:‏ آل مضر كذب الشيطان‏.‏

فوقعت آلهزيمة على التركمان وأخذ لهم في ما قيل أربعمائة ألف رأس غنم وأسرت أولادهم ثم مالوا على واسط فسار ابن هبيرة بالعساكر فهزمهم ورجع منصوراً فتلماه المقتفي‏.‏

وفيها نزل ألفارجي علي بن مهدي - الملقب‏:‏ عبد النبي - إلىتهامة اليمن بمن تبعه من العساكر وهو يستبيح دماء الناس وكانت عقيدته التكفير بالذنب‏.‏

روى بالإسناد في سيرة الشيخ الكبير ألفارف بالله المعروف بالصياد‏:‏ أحمد بن أبي الخير اليمني‏:‏ قال صاحبه الشيخ الجليل ذو العطاء الجزيل شيخ شيوخ الطريقة وإمامهم عي علوم الحقيقة عبدالله بن علي الأسدي اليمني قال‏:‏ كنت أنا والصياد متتآخيين بمدينة زبيد في زمن الحبشة وكنا معتكفين في المسجد الجامع فلما كان آخر دولة الحبشة سمعنا بظهور علي بن مهدي وإقبال الناس عليه - سمعنا به في قرية من قرى وادي زبيد - فقال لي الصياد‏:‏ يا أخي سر بنا نشاهد هذا إلىجل إن كان كما زعموا صألفا تباركاً بزيارته‏.‏

قال‏:‏ فتقدمت أنا وهو في يوم الأحد الثالث عشر من شعبان سنة تسع وأربعين وخمس مائة إلى أن وصلنا إلى المكان الذي هو فيه فوجدنا معه خلما كثيراً - وهو يطعمهم التمر ويقدمهم على الأكل أفواجاً أفواجاً وقد نصبوا له خشباً من النخل وبنوا له على رأسه بيتاً لا يطلعه إلا بدرجة فلما وصلنا قعدنا في طرف الناس إلى أن أكلوا جميعهم‏.‏

وصاح صائحهم‏:‏ من كان لم يأكل فلمات وإلا فلا يلومن إلا نفسه فلم يجبه أحد وطلعوا إلى السهوة التي هو قاعد عليها بغدأنه وقد أبصرنا ولم نشعر بإبصاره لنا فقال لبعض أصحابه‏:‏ قدم إلى هذين إلىجلين - وأومى إلينا - فأتى رسوله فقال‏:‏ أجيبوا الإمام - صلوات الله عليه - وهكذا ذكر‏:‏ الصلاة عليه‏.‏

قال فكر هنا فلم يزل بنا حتى سرنا معه فلما وصلنا إليه سلمنا عليه فيحب بنا وبش بنا بشاشة عظيمة وقدم الطعام إلينا فقلنا‏:‏ ما لنا به حاجة نحن صيام ولم نأكل شيئاً‏.‏

فقال لنا‏:‏ أريد من تفضلكما أن تصحباني إلى مسجد ألفازة فأجبناه إلى ذلك وخرج معنا في ذلك الوقت وقد تغدى فأخذنا طريق االساحل إلى أن وصلنا مسجد ألفازة فدخلنا المسجد جميعاً بعد صلاة الضحى فيكعنا ما شاء الله تعالى وقعدنا ولم يقعد ابن مهدي المذكور بل يطالع من ألفاب ساعة ومن ألفاقة ساعة ولم يزل كذلك ساعة ثم رمى نفسه في المحراب وقال‏:‏ أنا جاركما من هذا الشخص الذي وصل إلينا - قلت‏:‏ يعني أنا مستجير بكما منه - قال‏:‏ فتقدمنا إلى ألفاب فإذا بزيلعي يمشي على البحر - وهو طويل وبيده عصا يتوكأ عليها - فلما وصل إلينا سلم علينا ودخل المسجد فلما رأى ابن مهدي زعق عليه زعقة منكرة وقال‏:‏ يا شيطان يا فتان تدخل هذا المسجد اليوم‏!‏ أقتلك وأريح الناس منك‏.‏

وحمل عليه يريد أن يضربه بالعصا فأخذنا ندفعه عنه ونسآله بالله أن يتركه لنا فقد استجار بنا فتركه وركع ركعتين في المسجد وودعنا وخرج يمشي على الماء في طريقه التي أتى فيها‏.‏

ورجع ابن مهدي إلى حالته الأولى يطالع من ألفاب تارة ومن ألفاقة تارة أخرى فلما كان بعد ساعة أخرى أقبل ورمى نفسه في المحراب وقال‏:‏ أنا جاركما من هذا الذي وصل إلينا فقمنا وطالعنا وإذا برجل بدوي طويل أقبل من الخبت وهو يمشي وبيده عصا فلما وصل إلى المسجد سلم علينا فلما رأى ابن مهدي في المحراب صاح عليه صيحة منكرة مثل الصيحة الأولى وقال‏:‏ يا شيطان يا فتان ما تعمل في هذا الموضع المبارك‏!‏‏!‏ اليوم أريح الناس منك‏.‏

وحمل عليه بعصا ليضربه فلم نزل ندفعه عنه ونسآله بالله أن يتركه فلم يتركه إلا بشدة عظيمة‏.‏

ثم ركع ركعتين في المسجد وودعنا ورجع في طريقه الذي جاء منها فقال لنا ابن مهدي‏:‏ أريد أن تصحباني إلى الموضع الذي وجدتماني فيه فقال له الصياد‏:‏ ما بقينا نصحبك ولا نمشي معك‏.‏فلم يزل بنا حتى أنعمنا له أن نصحبه إلى قرية الأهواب - بالماء الموحدة - فلما خرجنا معه إليها تركناه ورجعنا إلى زبيد في ذلك اليوم فأقمنا بها مدة يسيرة فلما كانت سنة أربع وخمسين وخمس مائة كثرت العساكر معه وظهر منه ما ظهر من التكفير بالذنب واستباحة دماء المسلمين‏.‏

انتهى‏.‏

وفي سنة تسع وأربعين وخمس مائة المذكورة جاءت الأخبار أن السلطان محمود شاه قاصد بغداد فاستعرض المقتفي جيشه فزادوا على اثني عشر ألف فارس فضعف عزم محمد شاه فخامر عليه جماعة أمراء ولجؤوا إلى الخليفة‏.‏

وجاءت الأخبار بما لحق السلطان سنجر من الذل له اسم السلطنة ولا يلتفت إليه وأنه يبكي على نفسه‏.‏

وفيها في صفر أخذ نور الدين دمشق من مجير الدين أحمد بن بوري بن طغتكين على أن يعوضه بحمص ولم ثم ذلك له فغضب وسار إلى بغداد وبنى بها داراً فاخرة وبقي بها مدة وبعث المقتفي عهداً بالسلطنة لنور الدين وأمره بالمسير إلى مصر فاشتغل عن ذلك بحرب الفرنج‏.‏

وفيها توفي الظافي بالله أبو منصور اسماعيل ابن الحافظ لدين الله العبيدي‏.‏

كان منهمكاً في الملاهي والقصف وكان يأنس إلى نصر بن عباس ولد وزيره فدس عليه من قتله وأخفى قتله ثم ذهب إلى أبيه عباس فأعلمه بذلك وكان أبوه قد أمره بقتله لأن نصراً كان في غاية الجمال وكان الناس يتهمونه به فقال له أبوه‏:‏ قد أتلفت عرضك بصحبة الظافي وتحدث الناس فيكما فاقتله حتى تسلم من هذه التهمة فقتله‏.‏

فلما كان الصبح من تلك الليلة حضر عباس إلى باب القصر وطلب الحضور عند الظافي في شغل منهم فطلبه الخدم في المواضع التي عادته أن يبيت فيها فلم يوجد فقيل لعباس‏:‏ ما نعلم أين هو فنزل عن مركوبه ودخل القصر بمن معه ممن يثق بهم وقال للخدم‏:‏ أخرجوا إلي أخوي مولانا فأخرجوا له جبرائيل ويوسف ابني الحافظ فسآلهما عنه فقالا‏:‏ سل ولدك عنه فإنه أعلم به منا فأمر بضرب رقابهما وقال‏:‏ هذان قتلاه هذه خلاصة هذه القضية‏.‏

والجامع الظافيي الذي بالقاهرة داخل باب زويلة منسوب إليه وهو الذي عمره ووقف عليه شيئاً كثيراً - على ما يقال والله أعلم -‏.‏

وفيها توفي أبو البركات عبدالله بن محمد بن الفضل الفياوي النيسابوري كان رأساً في معرفة الشروط حدث بمسند أبي عوانة ومات من الجوع بنيسابور في فتنة الغز‏.‏

وفيها توفي أبو العشائر محمد بن خليل القيسي الدمشقي صاحب الإمام نصر المقدسي‏.‏وفيها توفي الحافظ أبو المعز - المبارك ابن أحمد الأنصاري‏.‏

وفيها توفي مؤيد الدولة - وزير صاحب دمشق‏.‏

 سنة خمسين وخمس مائة

فيها عسكر طلائع بالصعيد وأقبل لماخذ القاهرة فانهزم منه عباس وابنه الذي كان قتل الظافي ودخل طلائع القاهرة بأعلام مشهورة بثياب سود مظهراً للحزن وفي الأعلام شعور نساء القصر كن يبعثن إليه بها في طي الكتب حزناً على الظافي‏.‏

وفيها توفي الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن معد التجيبي الأندلسي الأقليشي سمع أبا الوليد بن الدباغ وطائفة وبمكة من الكروخي وكان زاهداً عارفاً متفنناً صاحب تصانيف مفيدة‏:‏ له شعر في الزهد‏.‏

وفيها توفي الحافظ محدث العراق أبو الفضل محمد بن ناصر البغدادي اعتني بالحديث بعد أن برع في اللغة‏.‏

قال ابن النجار‏:‏ كان ثقة ثبتاً حسن الطريقة متديناً فقير متعففاً نظيفاً نزهاً وقف كتباًِ وخلف ثياباً خليقة وثلاثة دنانير لم يعقب‏.‏

وفيها توفي أبو الكرم الشهرزوري المبارك بن الحسن البغدادي شيخ المقرئين ومصنف المصباح في العشرة كان صألفا خيراً قرأ عليه خلق كثير وأجاز له أبو الغنائم بن الشامون وطائفة وسمع من اسماعيل بن مسعدة وغيره وقرأ القراءات على عبد السيد بن عتاب وطائفة وانتهى إليه علو الإسناد‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة بالديار المصرية أبو المعالي محلي بن جميع القرشي المخزومي الشافعي‏.‏

ولي بتفويض العادل بن السلار وله كتاب الذخائر في المذهب من المصنفات المعتبرة‏.‏

وفيها توفي الحافظ السلامي البغدادي محمد بن ناصر‏.‏

كان حافظ بغداد في زمانه أديباً وافي الحظ من الأدب كثير البحث عن الفوائد وإثباتها روى عنه الأئمة فأكثر وأخذ عنه علماء عصره منهم الحافظ أبو الفيج بن الجوزي وأكثر روايته عنه‏.‏

وفيها توفي الفقيه ألفاضل الورع الزاهد عمر بن عبدالله بن سليمان بن السري اليمني من جبال اليمن‏.‏

توفي بمكة حاجاً‏.‏روى القاضي أبو الطيب طاهر ابن الإمام يحيى بن أبي الخير اليمني أنه كان قد أصابه بثرات في وجهه فيام معالجتها على يد الحكيم وارتحل إليه وكان في ذي جبلة - فيأى ليلة قدومه إليه عيسى ابن مريم - صلوات الله على نبينا وعليه - فقال‏:‏ يا روح الله امسح على وجهي وادع ل ففعل فلما قام من آخر ليلته وأمر الماء على وجهه وجد فيه خفة وأحس عافية فاستبشر بصدق رؤياه‏.‏

فلما أسفي نظر في المرآة فإذا وجهه قد صح وأنار فحمد الله تعالى ورجع إلى منزله قد عاماه العليم الحكيم‏.‏

قلت‏:‏ انظر - رحمك الله - كيف رام الشفاء من علاج الحكمة الكسبية فشفاه الله تعالى بحكم الحكمة الوهبية الآلهية ولم يجعل ذلك على يد من هو أفضل منه من الأنبياء رده باللطف ومناسبة الحكمة من حكيم إلى حكيم ليكون شفاؤه بفضل تقدير العزيز العليم‏.‏

 سنة إحدى وخمسين وخمس مائة

فيها توفي مسند أصبهان أبو القاسم اسماعيل بن علي بن الحسين النيسابوري ثم الأصبهاني الصوفي نيف على مائة سنة‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن علي بن أحمد اليزدي الشافعي المقرىء الزاهد برع في القراءات والمذهب وصنف في القراءات والفقه والزهد وكان رأساً في الزهد والورع‏.‏

وفيها توفي الشيخ أبو البيان بن محفوظ القرشي الشافعي اللغوي الدمشقي الصوفي المعروف بابن الحوراني كان أستاذاً ملازماً للحفظ - والمطالعة كثير العبادة بالمراقبة كبير ألفان بعيد الصيت صاحب أحوال ومقامات لازماً للسنة والأثر‏.‏

وله تآليف وأذكار مسجوعة وأشعار مطبوعة وأصحاب ومريدون وفقراء بهديه يقتدون‏.‏

كان هو والشيخ رسلان شيخي دمشق في عصرهما‏.‏

وفيها توفي الخطيب أبو الفضل يحيى بن سلامة‏.‏

كان علامة الزمان في علمه ومقرىء العصر في نظمه ونثره ومن نظمه الممدوح قوله أشكو إلى الله من نارين‏:‏ واحدة في وجنتيه وأخرى منه في كبدي ومن سقامين‏:‏ سلم قد أحل دمي من الجفون وسلم حل في جسدي ومن نمومين‏:‏ دمعي حين أذكره يذيع سري وواش منه بإلىصد ومن ضعيفين‏:‏ صبري حين أذكره ووده ويراه الناس طوع يدي وكان قد اشتغل بالأدب وبرع فيه ثم اشتغل بالفقه على مذهب الإمام الشافعي وأجاد فيه وتولى الخطابة في فارقين وتصدر للفتوى بها واشتغل عليه الناس وانتفعوا به ولم يزل على رئاسته وجلالته وامادته إلى أن توفي - رحمه الله تعالى‏.‏

 سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة

فيها نازل بغداد محمد شاه ابن السلطان محمود فاختلف عسكر المقتفي عليه وقاتلت الشامة ونهب ألفانب الغربي واشتد الخطب واقتتلوا في السفن أشد قتال وفيق المقتفي الأموال والسلاح ونهض أتم نهوض حتى إنه كان من جملة ما عمل له بعض الزخاجين ثمانية عشر ألف قارورة للنفط ودام الحصار نحواً من شهرين وقتل خلق كثير من الفييقين وجاءت الأخبار بأخذ همذان - وهي لمحمد شاه - فقلق لذلك وقلت عليهم الميرة وجرت أمور طويلة ثم ترحلوا خائبين‏.‏

وفيها خرجت الإسماعيلية على حجاج خراسان فقتلوا وسبوا واستباحوا إلىكب وضج الضعفاء والجرحى‏.‏شيخ اسماعيلي ينادي‏:‏ يا مسلمون ذهبت الملاحدة فأبشروا ومن هو عطشان سقيته فبقي إذا كلمة أحد أجهز عليه فهلكوا كلهم إلى رحمة الله‏.‏وفيها اشتد القحط بخراسان وتخربت بأيدي الغز ومات سلمانها سنجر وغلب كل أمير على بلد واقتتلوا وتغيرت إلىعية الذين نجوا من القتل‏.‏

وفيها هزم نور الدين الفرنج على صفد وكانت وقعة عظيمة‏:‏ وجاءت الزلزلة العظمى بالشام فهلك بحلب تحت إلىدم نحو خمس مائة وخربت أكثر حماه ولم ينج من بعض البلاد إلا خادم وامرأة ثم عمرها نور الدين‏.‏

وفيها أخذ نور الدين من الفرنج غزة ونابل‏.‏

وفيها توفي الملقب بشمس الملوك ابراهيم بن رضوان السلجوقي تملك حلب مدة مديدة ثم أخذها منه زنكي وعوضه نصيبين‏.‏

وفيها توفي سنجر الملقب بالسلطان الأعظم ابن السلطان ملك شاه ابن ألب أرسلان ابن أحمد السلجوقي صاحب خراسان قيل‏:‏ وأحد ملوك العصر وأعرفهم نسباً وأقدمهم ملما وأكثرهم جيشاً خطب له بالعراقين وأرمينية وأذربيجان والشام والموصل وديار بكر وربيعة والجزيرة والحرمين وخراسان وغير ذلك‏.‏

وكان وقوراً مهيباً ذا حياء وكرم وشفقة على إلىعية وكان مع كرمه المفيط أكثر الناس مالاً اجتمع في خزائنه من الجواهر ألف وثلاثون رطلاً قيل‏:‏ هذا ما لم يملكه خليفة ولا ملك فيما يعلم‏.‏

وفيها توفي أبو مروان عبد الملك بن ميسرة اليحصبي ثم القرطبي أحد الأعلام ممن جمع الله له الحديث والفقه مع الأدب ألفارع والدين والورع والتواضع‏.‏وفيها توفي مسند بخارى عثمان بن علي البيكندي - بالموحدة ثم المثناة من تحت ثم النون بين ألفاف وألفال المهملة على ما ضبط بعضهم - كان إماماً عألفا ورعاً عابداً متعففاً‏.‏

وفيها توفي رئيس أصفهان وعالمها محمد بن عبد اللطيف الخجندي - بالماء المعجمة وألفال المهملة وبينهما جيم ونون‏.‏

قال ابن السمعاني‏:‏ كان صدر العراق في زمانه على الإطلاق إماماً مناظراً واعظاً جواداً مهيباً كان السلطان محمود يصدر عن رأيه وكان بالوزراء أشبه منه بالعلماء درس ببغداد بالنظامية وكان يعظ وحوله السيوف‏.‏

مات فجأة في قرية بين همدان والكرخ‏.‏

وفيها توفي القاضي الأجل أبو بكر بن محمد بن عبد الله الشافعي في شهر رمضان وحضر موته الإمام العالم العلامة صاحب البيان يحيى بن أبي الخير اليمني العمراني وقال حين نعي عليه‏:‏ ماتت المروءة‏.‏

قلت‏:‏ ومثل هذا المقال يقال في كل وصف جميل مات من اتصف به إذا كان غألفا عليه مشتهراً فيه متميزاً على غيره به كما بلغني أنه لما توفي الشيخ الصالح أبو محمد المعروف بالسكري المغربي - رحمة الله عليه - قال الشيخ الكبير السيد الشهير ألفارف بالله الخبير نجم الدين الأصبهاني - قدس الله روحه - مات الفقر من الحجاز‏.‏

وهذا الشيخ أبو محمد المذكور هو ناظم القصيدة التي مفتتحها‏:‏ دار الحبيب أحق أن تهواها وتحن من طرب إلى ذكراها أخذ القاضي أبو بكر المذكور الفقه عن الإمام العلامة زيد بن عبدالله اليفاعي‏.‏قلت‏:‏ وقد تقدم نسبة الشافعي واليفاعي - وعلى الجملة - فالفيق بينهما أن الشافعي نسبة إلى جد واليفاعي إلى مكان‏.‏

وكان هذا القاضي المذكور أديباً شاعراً مترسلاً فصيحاً وله ديوان شعر مشهور في زمانه ومكانه روى عن أبيه وخآله كتاب إلىسالة للمافعي ومختصر المنني بروايتهما عن الشيخ الإمام عبد الملك بن محمد الشافعي وولي قضاء اليمن من جبآلها إلى عدن وكان له ولد يقال له محمد بن ابن أبي بكر نبت نباتاً حسناً وأخذ الفقه عن أخوآله بني عبد العليم وكان له معرفة في علم الكلام واللغة والعربية وحسن الشعر مات بالجند سنة ست وأربعين وخمس مائة وقبره هنالك‏.‏

ولما توفي أبوه بعده قبر هنالك أيضاً ولأبيه فيه مدح ومرثية بأشعار كثيرة ومن قصيدة له في ذلك‏:‏ وكان القاضي أبو بكر المذكور ذا جاه كبير وحظ عظيم عند الملوك استوهب خراج الفقهاء وخلصهم من المظالم ولما قدم القاضي الإمام العلامة ذو الفضل العديد - الملقب بالرشيد - من ديار مصر إلى اليمن أكرمه القاضي أبو بكر المذكور وبجله وكان الرشيد المذكور فاضلاً بارعاً ذا فنون كثيرة وفضيلة شهيرة‏.‏

وحكي انه أستأذن هو والجليس أبو المعالي المصري - ذات يوم على الوزير فلان - سماه - فلم يأذن لهما واعتذر عن المواجهة ووجدا عنده غلظة من الحجاب ثم عاوداه مرة أخرى واستأذنا عليه فقيل لهما إنه نائم فخرجا من عنده فقال القاضي الرشيد‏:‏ توقع لأيام اللئام - زوآلها فعما قليل سوف تنكر حآلها فلو كنت تدعو الله في كل حالة لتبقي عليهم ما أمنت انتقآلها وقال صاحبه أبو المعالي‏:‏ لئن أنكرتم عنا ازدحاماً ليجتنبكم هذا الزحام وإن نمتم عن ألفاجات عمداً فعين الدهر لا تنام فلم يكن بعد أيام حتى نكب الوزير نكبة عظيمة‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي أبو الحسن محمد بن المبارك العكبري الفقيه الشافعي‏.‏

أتقن المذهب على أبي بكر ألفاشي المستظهري درس وأفتى وفيها توفي ابن خميس أبو عبدالله الحسين بن نصرالموصلي الجهني الشافعي الملقب تاج الإسلام‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ أخذ الفقه عن أبي حامد الغزالي ببغداد وعن غيره وولي القضاء برحبة مالك بن طوق ثم رجع إلى الموصل وصنف كتباً منها‏:‏ مناقب الأبرار على أسلوب رسالة القشيري ومناسك الحج وأخبار المقامات‏.‏

قلت‏:‏ وقول ابن خلكان‏:‏ على أسلوب رسالة القشيري ليس إطلاقه هذا بمرضي ولا صحيح فإن رسالة القشيري جمعت أصناما من العقائد والآداب وذكر المقامات والأحوال وأسمأنها واصطلاحات المشايخ الصوفية من ذلك‏:‏ ذكر اللوامع والطوالع والبوادة واللوائح والمحبة والشوق والأنس وآلهيبة والسكر والغيبة والفناء والبقاء إلى غير ذلك مما يطول ذكره ومما لم يذكره في مناقب الأبرار المذكور وإنما ذكر فيه مما يناسب ما في إلىسالة قوله‏:‏ ومنهم ومنهم فحسب‏.‏

وخميس جده الأعلى والجهني نسبة إلى جهينة القبيلة المعروفة من قضاعة سكن في قرية من الموصل مجاور القرية التي فيها العين المعروفة بعين القيارة التي ينفع الاستحمام بها من ألفالج والرياح ألفاردة وهي مشهورة في بر الموصل‏.‏

 سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة

قال ابن الأثير‏:‏ فيها نزل ألف وسبعمائة من الإسماعيلية على رزق كبير للتركمان فأخذوه فأسرع عسكر التركمان فأحاطوا بهم ووضعوا فيهم السيف فلم ينج منهم إلا تسعة أنفس - والحمد لله -‏.‏

وفيها توفي الفقيه ألفاضل الورع الزاهد عمر بن اسماعيل بن يوسف‏.‏

أخذ عن الإمام زيد بن الحسن المهذب وأصول الفقه وكان رفيق الإمام يحيى بن أبي الخير في رحلتهما إلى احاطة ورويا عنه‏:‏ غريب الحديث في اللغة لأبي عبيد ومختصر العين للمافي وغير ذلك وكان فاضلاً إماماً في العربية‏.‏

أخذ الإمام يحيى عنه ألفافي والجمل للزجاجي وأخذ عنه محمد بن موسى العمراني‏:‏ الناسخ والمنسوخ في القرآن لأبي جعفر الصفار‏.‏

وفيها توفي مسند الدنيا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي ثم آلهروي الصوفي في الزاهد‏.‏

كان مكثراً من الحديث عالي الإسناد طالت مدته فألحق الأصاغر والأكابر سمع صحيح البخاري ومسند ألفارمي وعبد بن حميد بن جمال الإسلام ألفاؤدي في سنة خمس وستين وأربع مائة وسمع من أبي عاصم الفضيلي ومحمد بن أبي مسعود ألفارسي وطائفة وصحب شيخ الإسلام الأنصاري وخدمه وعمر ودخل بغداد فازدحم الخلق عليه‏.‏

وكان خيراً متواضعاً متودداً حسن السمت متين الديانة محباً للرواية‏.‏وكانت ولادته بهراة في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ووفاته ببغداد في ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة في رباط فيروز وصلي عليه بالجامع صلاة الشامة وكان الإمام في تلك الصلاة شيخ الشيوخ الأكابر أبو محمد محيي الدين عبد ألفادر الجيلي - قدس الله روحه - وكان الجمع متوافياً ودفن في الشونيزي في الدكة المدفون فيها الشيخ رويم وهو اخر من روى في الدنيا عن ألفاؤدي‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو مسعود عبد الجليل بن محمد الأصبهاني أوحد وقته وفي علمه مع حسن طريقه وتواضعه‏.‏كان جيد المعرفة حسن الحفظ ذا عفة وقناعة وإكرام للغرباء‏.‏

وفيها توفي علي ابن عساكر المقدسي ثم الدمشقي الحساب صحب الفقيه نصر المقدسي‏.‏

وفيها توفي العلامة أبو حفص عمر بن أحمد النيسابوري الصفار كان من كبار الشافعية ويذكر مع محمد بن يحيى ويزيد عليه بالأصول قال ابن السمعاني‏:‏ هو إمام بارع مبرز جامع لأنواع من العلوم الشرعية سديد السيرة‏.‏

مات يوم عيد الأضحى‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبدالله ألفاتب المعروف بابن التعاويذي البغدادي ألفاعر المشهور وله ديوان شعر‏.‏

وكان باسمه - رأيته في أيام الناصر لدين الله فالتمس أن ينقل باسم أولاده‏.‏

ولما عمي سأل أن يجدد له راتب مدة حياته فكان يواصل بشيء من الخشكار إلىومي فكتب أبياتاً إلى صاحب المخزن الملقب بفخر الدين ومن جملتها‏:‏ حاشاك ترضى أن تكون خزانتي كخزانة البواب والنقاط قد كدرت حسني المضي وغيرت طبعي السليم وأرقبت أخلاطي أخنت عليها ألفادثات وأفيطت فيها إلىداة أيما إفياط فتول تدبيري فقد أنهيت ما أشكوه من مرضي إلى بقراط وكان وزير الديوان ابن البلدي قد عزل أرباب الولايات وصادرهم وعاقبهم فعمل أبياتاً في ذلك منها‏:‏ يا قاصداً بغداد جز عن بلدة للجور فيها زجرة وعتاب ِ # إن كنت طالب حاجة فارجع فقد سدت على إلىاجي لها الأبواب ليست وما بعد الزمان كعهدها أيام يعمر ربعها الطلاب ويجلها الرؤساء من ساداتها والجلة الأدباء والكتاب والدهر في أولى حداثته وللأ يام فيها نضرة وشباب والفضل في سوق الكرام يباع ل غالي من الأثمان والآداب بادرت وأهلوها معاً فبيوتهم ببقاء مولانا الوزير خراب قال ابن خانكا‏:‏ وأما قصيدته المشتملة على التشبيب والمدح فإنها في نهاية الحسن قلت‏:‏ وقد التعاويذي نسبة إلى كتابة التعاويذ - بالذال المعجمة وهي الحروز‏.‏

ذكر موته بعض المؤرخين في السنة المذكورة وذكر بعهم في سنة أربع وثمانين - والله أعلم -‏.‏

وفيها توفي الإمام الأوحد العالم الأمجد عبد الله بن يحيى بن أبي آلهثم الصنعي وهو ابن ثمان وسبعين سنة وقيل إحدى وثمانين‏.‏

وكانت مدرسته في سهفنة‏.‏

وروى ابن سمرة بسنده أنت الإمام يحيى بن أبي الخير كان يقول‏:‏ عبدالله بن يحيى شيخ الشيوخ وكانا متحابين يتزاوران وحضر الإمام يحيى جنازته وهو وأصحابه من ذي الشرف - قال‏:‏ وكان فاضلاً زاهداً ورعاً‏.‏

روي أن ناساً من بني مليك ضربوه بالسيوف فلم تقطع سيوفهم فسألوه عن ذلك فقال‏:‏ كنت أقرأ سورة ياسين‏.‏

قال‏:‏ والذي أرويه أنه كان يقرأ آيات وهي قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم ‏"‏ - البقرة 255 - ‏"‏ فالله خير حافظاً وهو أرحم إلىاحمين ‏"‏ - يوسف - و ‏"‏ حفظاً من كل شيطان مارد ‏"‏ - الصامات - ‏"‏ وحفظاً ذلك تقدير العزيزالعليم ‏"‏ - فصلت - ‏"‏ أن كل نفس لما عليها حافظ ‏"‏ - الطارق - ‏"‏ إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدىء ويعيد وهو الغفور الودود ‏"‏ - البروج 13 14 -‏.‏

إلى آخر السورة قال‏:‏ وهذه إلىواية وهي المشهورة‏.‏قال‏:‏ وذكر أن الفقيه المذكور قال‏:‏ خرجت يوماً مع جماعة فيأينا ذئباً يلاعب شاة عجفاء ولا يضرها بشيء فلما دنونا منها نفي الذئب فوجدنا في رقبة ألفاة كتاباً مربوطاً فحللناه فقرأنا فيه هذه الآيات‏.‏

وله مصنفات مليحة منها‏:‏ كتاب التعريف في الفقه واحترازات المهذب وكان يقوم بكفايته وما يحتاج إليه رجل من مشايخ بني يحيى وهم بطن من يافع قلت‏:‏ ويافع يقولون‏:‏ هم أهل يحيى وأهل موسى وأهل عيسى ثلاثة بطون بينهم بعض قرابة وفيهم عز وشرف نفوس فأهل موسى أخوالي - وألفالب عليهم الكرم والمشيخة وشرف النفوس - وأهل يحيى أخوال بني عمي - وألفالب عليهم العز والنجدة ولا تزال الحرب بينهم وبين أعدأنهم ومن أهل يحيى المذكورين الولي الكبير الفقيه الشهير أبو بكر التغزي الذي كان السلطان الملك المؤيد في طوعه‏.‏

وذكر ابن سمرة أنه تفقه بهذا الفقيه عبدالله بن يحيى المذكور خلق كثير‏.‏

 سنة أربع وخمسين وخمس مائة

فيها سارعبد المؤمن في مائة ألف فنازل المهدية بحراً وبراً فأخذها من الفرنج بالأمان فخرجوا منها في البحر في وقت الشتاء فغرق أكثرهم - ولله الحمد -‏.‏وفيها دخلت الغز بنيسابور ووقعت فتنة وحروب وحمية وعصبية بين الشافعية والعلوية ومعهم الحنفية في نيسابور وتعبت إلىعية وأحرقت أسواق ومدارس ووقع القتل بالشافعية ثم انتصروا وبالغوا في أخذ الثأر وحرقوا مدرسة الحنفية‏.‏

وفيها توفي أبو جعفر العباسي أحمد بن محمد بن عبد العزيز وفيها توفي أبو زيد جعفر بن زيد الشامي الحموي مصنف رسالة البرهان كان صألفا عابداً صاحب سنة وحديث‏.‏

وفيها توفي الحسن بن جعفر المتوكل العباسي‏.‏

وكان أديباً شاعراً صألفا‏.‏

وفيها توفي محمد شاه ابن السلطان محمود بن محمد ابن ملك شاه السلجوقي وكان كريماً عاقلاً‏.‏

 سنة خمس وخمسين وخمس مائة

فيها توفي العميد ابن القلانسي حمنة بن أسد التميمي الدمشقي‏.‏

وفيها توفي سلمان غزنة حسن شاه تملك بعد أبيه بهرام شاه وفيها توفي قاضي العراق أبو جعفر الثقفي عبد الواحد بن أحمد ولاه المستنجد قضاء القضاة وولي بعده ابنه جعفر‏.‏

وفيها توفي ألفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافي العبيد أقيم في الخلافة بعد قتل أبيه - وله خمس سنين وقد تقدم أن نصر بن عباس قتله بأمر عباس ولما كان صبيحة الليلة التي قتل فيها الظافي حضر عباس إلى المصر على جاري عادته في الخدمة وطلب الاجتماع به موهماً عدم اطلاعه على قتله وطلبوه في جميع مظانه في القصر فلم يقفوا له على خبر فتحققوا عدمه‏.‏

فأخرج عباس أخوي الظافي وقال‏:‏ أنتما قتلتما إمامنا وما نعرفه إلا منكما فأصرا على الإنكار صادقين فقتلهما في الوقت لنفي التهمة عن نفسه ثم استدعى بولده ألفائز - وعمره خمس سنين كما تقدم وقيل‏:‏ سنتان - فحمله على كتفه ووقف في صحن ألفار فأمر أن تدخل الأمراء فدخلوا فقال لهم‏:‏ هذا ولد مولانا وقد قتل عماه أباه وقد قتلهما كما ترون والواجب إخلاص الساعة لهذا الطفل فقالوا بأجمعهم‏:‏ سمعنا وأطعنا‏.‏

فصاحوا صيحة واحدة فاضطرب منها الطفل فبال على كتف عباس وسماه‏:‏ ألفائز وسيره إلى أمه واختل من تلك الصيحة فصار يصرع في كل وقت ويختلج وخرج عباس إلى داره ودبر الأمور وانفيد بالتصرف - وكان وزيراً للظافي - وأما أهل القصر فإنهم اطلعوا على باطن الأمر وأخذوا في الحيلة في قتل عباس وابنه وكاتبوا طلائع ابن رزيك - بضم إلىاء وتشديد الزاي المكسورة وسكون المثناة من تحت بعدها كاف - الملقب بالملك الصالح وكان إذ ذاك والي سبتة بني حصيب في الصعيد وسألوه الانتصار لهم وقطعوا شعورهم وسيروها في طي الكتاب وسودوا الكتاب فلما وقف الصالح عليه اطلع من حوله من كبار الأجناد وتحدث معهم في ذلك فأجابوه إلى الخروج معه واستمال جمعاً من العرب وساروا قاصدين القاهرة - وقد لبسوا السواد - فلما قاربوها خرج إليهم جميع من فيها من الأمراء والأجناد والسودان وتركوا عباساً وحده وخرج عباس في ساعته من القاهرة - ومعه ولده قاتل الظافي وشيء من مآله وجماعة يسيرة من أتباعه - وقصدوا طريق الشام‏.‏وأما صالح فإنه دخل القاهرة بغير قتال وما قدم شيئاً على النزول بدار عباس المعروفة بدار الشامون بن البطائحي وقد ضاع مدرسة للحنفية وتعرف بالسيوفية واستحضر ألفادم الصغير الذي كان مع الظافي ومن معه من المقتولين وحملوا وقطعت لهم الشعور وانتشر البكاء والنياحة في البلد ومشى الصالح والخلق قدام الجنازة إلى موضع الدفن وتكفل الصالح بالصغير ودبر أحوآله‏.‏

وأما عباس ومن معه فإن أخت الظافي كاتبت فينج عسقلان بسببه وشرطت لهم مالاً جزيلاً إذا أمسكوه فخرجوا عليه وصادفوه فتواقعوا واقتتلوا وقتلوا عباساً وأخذوا مآله وولده وانهزم بعض أصحابه إلى الشام وسيرت الفرنج نصر بن عباس ألفاتل المذكور إلى القاهرة محتاطاً به في قفص حديد فلما وصل تسلم رسولهم ما شرطوا لهم من ألفال وأخذوا نصراً المذكور ومثلوا به ثم صلبوه على باب زويلة ثم أحرقوه‏.‏

هذه خلاصة الواقعة وفيها طول - وأقيم بعد ألفائز المذكور العاضد وفي السنة المذكورة توفي المقتفي لأمر الله محمد بن المستظهر بالله بن المقتدي بالله العباسي‏.‏

كان عألفا فاضلاً لبيباً حليماً شجاعاً مهيباً خليقاً للإمارة كامل السؤدد لا يجري في دولته أمر وإن صغر إلا بتوقيعه ووزر له علي بن طراد الزينبي ثم أبو نصر بن حهيرة ثم علي بن صدقة ثم ابن هبيرة وحاجبه أبو المعالي بن الصاحب وجماعة بعده‏.‏

وكان مليح الشبية عظيم آلهيبة وكانت دولته خمساً وعشرين سنة وقد جدد باباً للكعبة واتخذ لنفسه تابوتاً من العقيق دفن فيه وعقدت البيعة بعده لولده المستنجد بالله‏.‏

وفيها توفي أبو الفتوح ألفائي محمد بن محمد آلهمداني صاحب الأربعين‏.‏

سنة ست وخمسين وخمس مائة فيها توفي أبو حكيم اللهرواني الزاهد الفيضي أحد من يضرب به المثل في الحلم والتواضع أنشأ مدرسة بباب الأزج واجتهد جماعة على امضأنه فلم يقدروا‏.‏

وفيها توفي سلمان الغور الحسين بن الحسين‏.‏

وفيها توفي سليمان شاه ابن السلطان محمد السلجوقي قيل‏:‏ كان أهوج أخرق فاسقاً بل زيديقاً يشرب الخمر في نهار رمضان قبض عليه الأمراء ثم خنق‏.‏

وطلائع الملقب بالملك الصالح ابن رزيك قد تقدم دخوله القاهرة لما استنجد به عند قتل الملك الظافي فتولى الوزارة في أيام ألفائز واستقل بالأمور وتدبير أحوال الدولة‏.‏

وكان فاضلاً محباً لأهل الفضائل سمحاً في العطاء سهلاً في اللماء جيد الشعر ومن شعره‏:‏ كم ذا يرينا الدهر من أحداثه عبراً وفينا الصد والإعراض ينسى الممات وليس يجري ذكره فينا فتذكرنا به الأمراض ومنه‏:‏ ماضي اللماظ كأنما سلت يدي سيفي غداة إلىوع من جفنيه والناس طوع يدي وأمري نافذ فيهم وقلبي الآن طوع يديه فأعجب لسلمان يعم بعدله ويجور سلمان الغرام عليه مع أبيات أخرى ومنه‏:‏ مشيبك قد نضى صبغ الشباب وحل ألفاز في وكر الغراب تنام ومقلة الحدثان تقضي وما ناب النوائب عنك نابي وكيف بقاء عمرك وهو كنز وقد أنفقت منه بلا حساب وكان المهذب عبدالله بن أسعد الموصلي قد قصده من الموصل مدحه بقصيدته ألفافية التي أولها‏.‏

أما كفاك تلاقي في تلاقيك ولست تنقم إلا فيط حبيكا وفيم تغضب - إن قال الوشاة‏:‏ سلا وأنت تعلم أني لست أسلوكا لا نلت وصلك إن كان الذي زعموا ولا شفا ظمئي جود ابن رزيكا وهي من نخب القصائد‏.‏

ولما مات ألفائز وتولى العاضد مكانه استمر الصالح على وزارته وزادت حرمته وتزوج العاضد ابنته فاغتر بطول السلامة‏.‏

وقد كان العاضد تحت قبضته فيزق عليه من يقتله من أجناد الدولة فكمنوا للصالح مرة بعد أخرى حتى قتلوه وخرجت الخلع بمنصبه لولده العادل وهذا الصالح المذكورهو الذي بنى الجامع على باب زويلة بظاهر القاهرة وكان لما خرج أشرت على الوفاة قد أوصى ولده أن يتعرض لماور وزير مصر بسوء وكان قد تمكن في بلاد الصعيد ثم إنه قدم إلى القاهرة وهرب العادل وأهله منها وحمل من الذخائر ما لا يحصى وندب شاور جماعة فلحقوه وأخذوه أسيراً وأحضروه إلى باب شاور فوقف عنده زمناً طويلاً ثم حبسه مدة ثم قتله وتولى مكانه من الوزارة ومدة‏.‏

ثم خرج عليه أبو الأشبال ضرغام بن عامر الملقب بفارس المسلمين اللخمي المنذري وغلبه وأخرجه من القاهرة‏.‏وذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه ابن شاور وصل إلى الملك العادل نور الدين مستنجداً فأكرمه واحترمه وبعث معه جيشاً ثم إن شاور بعث إلى ملك الفرنج واستنجده وضمن له أموالاً فيجع عسكر نور الدين إلى الشام وحدث ملك الفرنج نفسه بملك مصر فلما بلغ نور الدين ذلك جهز عسكراً وجاءت أمور يطول ذكرها ثم إن شاور المذكور قتل وكان قتله عند مشهد السيدة نفيسة - رضي الله عنها - بين القاهرة ومصر وكان طلائع المذكور أديباً شاعراً فاضلاً جواداً ممدحاً رافضياً يجمع الفقراء ويناظرهم على الإمامة وعلى القدر وله مصنف وقال لها‏:‏ أيتها الشجرة أنبتي بإذن الله تعالى يوماً رماناً حلواً ويوماً رماناً حامضاً فقال صاحبه‏:‏ وهو إسرائيل بن عبد المقتدر فأقمت هنالك سنين آكل من تلك الشجرة رماناً يوماً حلواً ويوماً حامضاً أحسن رمان وأطيبه في الدنيا‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام المحدث شيخ المحدثين سراج الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن حمير اليمني آلهمداني‏.‏

روى عن جماعة كثيرين وروى عنه الإمام يحيى بن أبي الخير صحيح البخاري وسنن أبي داود واجتمع عليه جماعة وسمعوا عليه الكتابين المذكورين‏.‏

وكان في الحديث متقناً للرواية عألفا بصحيحه ومعلوله‏.‏

قال الإمام يحيى بن أبي الخير‏:‏ ما رأيت أحفظ من هذا الشيخ - يعني‏:‏ علي بن أبي بكر المذكور - في حفظ الحديث ولا أعرف منه قيل له‏:‏ ولا في العراق قال‏:‏ ما سمعت قال ابن سمرة‏:‏ وعنه أخذ شيخ قاضي عدن أحمد بن عبدالله القريظي وله تصنيف مليح يعرف بكتاب الزلازل والأشراط قال‏:‏ وإليه ينتهي سند أكثر أصحابنا وسمع عليه خلق كثير في الجند وعدن وغيرهما من بلاد اليمن‏.‏وفيها توفي أبو سعيد المؤيد بن محمد الأندلسي ألفاعر المشهور من أعيان شعراء عصره وله نظم عجيب مشتمل على المعاني المبتكرة من ذلك قوله في وصف طنبور‏:‏ وطنبور مليح الشكل يحكي بنغمته الفصيحة عندليبا كذا من عاشر العلماء طفلاً يكون إذا نشا شيخاً أديبا ولبعضهم في هذا المعنى‏:‏ وعود له نوعان من لذة المنى فبورك جان مجتنيه وغارس تغنت عليه وهو رطب حمامة وغنت عليه قينة وهو يابس

 سنة ثمان وخمسين وخمس مائة

فيها توفي الشيخ الزاهد أحمد بن محمد بن قدامة وكان خطيب جماعيل بفتح الجيم وتشديد الميم وبكسر العين المهملة بعد الالف واللام بعد مثناة من تحت ففي من الفرنج مهاجراً إلى الله عز وجل ثم صعد إلى الجبل وكانوا يعرفون بالصالحية - لنزولهم بمسجد بني صالح ومن ثم قيل جبل الصالحية - وكان قانتاً لله زاهداً صألفا صاحب جد وصدق وحرص على الخير - رحمه الله تعالى -‏.‏

وفيها توفي ابن القطان هبة الله بن الفضل ألفاعر المشهور البغدادي سمع الحديث من جماعة وسمع عليه وكان غاية في الخلاعة والمجون كثير المناح والمداعبات وله ديوان شعر وذكره السمعاني في الذيل وقال‏:‏ شاعر مجود مليح الشعر رقيق الطبع إلا أن آلهجاء غالب عليه وهو ممن يتقي لمانه كتبت عنه حديثين وعلقت عنه مقطمات من شعره وذكر العماد في خريدة القصر‏:‏ وكان مجمعاً على ظرفه ولطفه‏.‏

وحكي أنه دخل يوماً على الوزير الزينبي وعنده الحيص - وقد عمل بيتين لا يمكن أن يعمل لهما ثالث لأنه قد استوفى المعنى فيهما فقال الوزير‏:‏ وما هما فأنشد‏:‏ زار الخيال بخيلاً - مثل مرسله فما شفاني منه الضم والقبل ما زارني قط إلا كي يوافقني على إلىقاد فينفيه ويرتحل فالتفت الوزير إلى الحيص وقال له‏:‏ ما تقول في دعواه فقال‏:‏ إن أعادهما سمع لهما الوزير ثالثاً فقال له الوزير‏:‏ أعدهما فوقف الحيص لحظة ثم أنشد‏:‏

وما درى أن نومي حيلة نصبت ** لطيفه حين أعيى اليقظة الحيل

المغرب الأقصى والأدنى وبلاد إفريقية وكثير من بلاد الأندلس - وتسمى أمير المؤمنين - وقصدته الشعراء وامتدحته بالمدائح الحسان وكان أبيض مليحاً أسود الشعر وضياً معتدل الشامة جهوري الصوت فصيحاً عذب المنطق لا يراه أحد إلا أحبه بديهة وكان ملما عادلاً عظيم آلهيبة عالي آلهمة كثير المحاسن متين الديانة يقرأ كل يوم سبعاً ويجتنب لبس الحرير ويصوم الاثنين والخميس ويهتم بالجهاد والنظر في الأمور كأنما خلق للملك‏.‏

وذكر عماد الأصبهاني في كتاب الخريدة أنه لما أنشده بعض الفقهاء‏:‏ أشار إليه أن يقتصر على هذا البيت وأمر له بألف دينار ولما تمهدت له القواعد وانتهت أيامه خرج من مراكش إلى مدينة سلا فأصابه بها مرض شديد وتوفي بها رحمه الله تعالى - وعهد إلى ولده أبي عبد الله محمد فاضطرب أمره وأجمعوا على خلعه وبويع أخوه يوسف‏.‏

والكومي‏:‏ بضم ألفاف وسكون الواو وبعدها ميم‏:‏ نسبة إلى كومية وهي قبيلة صغيرة نازلة بساحل البحر من أعمال تلمسان‏.‏

وذكر في بعض تواريخ المغرب أن ابن تومرت كان قد ظفي بكتاب يقال له‏:‏ الجفي وفيه ما يكون على يده وقضية عبد المؤمن وجيشه واسمه وغير ذلك مما تقدم ذكره‏.‏

وقال ابن قتيبة في أوائل كتاب اختلاف الحديث بعد كلام من علم باطنه بما وقع طويل‏:‏ وأعجب من هذا التفسير - تفسير إلىوافض للقرآن الكريم وما يدعونه إليهم عن الجفي الذي ذكره سعد ابن هارون العجلي وكان رأس اليزيدية - فقال شعراً‏:‏ ألم تر أن الرافضين تفيقوا فكلهم في جعفر قال منكرا وطائفة قالوا إمام ومنهم طوائف سمته النبي المطهرا ومن عجب لم أقصه جلد جفيهم برئت إلى الرحمن ممن تجفيا مع أبيات أخرى‏.‏

قم قال ابن قتيبة‏:‏ وهو جلد جفيا دعوا أنه كتب لهم فيه الإمام كل ما يحتاجون إلى عمله كل ما يكون إلى يوم القيامة قيل‏:‏ ويعنون بالإمام‏:‏ الإمام جعفر الصادق لقد عجبوا لأهل البيت لما أتاهم علمهم في مسك جفي ومرآة المنجم وهي صغرى أرته كل عامرة وقفي وقوله في‏:‏ مسك جفي‏:‏ هو بفتح الميم وسكون السين المهملة‏:‏ الجلد والجقر‏:‏ بفتح الجيم وسكون الماء وبعدها راء‏:‏ من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر والاثني جفية‏.‏

وكانت عادتهم في ذلك الزمان أنهم يكتبون في الجلود والعظام والخزف وما شاكل ذلك‏.‏

وفيها توفي سديد الدولة ابن الأنباري صاحب ديوان الإنشاء محمد بن عبد الكريم الشيباني ألفاتب البليغ أقام في الإنشاء خمسين سنة وناب في الوزارة ونفذ رسولاً وكان ذا رأي وحزم وعقل‏.‏

وفيها توفي الفقيه العلامة الإمام مفيد ألفالبين وقدوة الأنام الذي سارت بفضائله إلىكبان واشتهر علمه في البلمان النجيب ألفارع صاحب البيان أبو زكريا يحيى بن أبي الخير اليمني من بني عمران المنتسبين إلى معد بن عدنان‏.‏

ولد في سنة تسع وثمانين وأربع مائة وتفقه بجماعة منهم‏:‏ خآله أبو الفتوح ومنهم الإمامان زيد بن عبد الله اليفاعي وزيد بن الحسين ألفايشي وموسى بن علي الصعبي وعبدالله بن أحمد وعمر بن اسماعيل بن علقمة وسالم بن عبد الله وغير هؤلاء المذكورين ومنهم شيخه في الحديث ومنهم شيخه في الفقه ومنهم شيخه في النحو ومنهم شيخه في اللغة ومنهم شيخه في الأصول‏.‏وحفظ على - ما ذكر ابن سمرة -‏:‏ كتاب المهذب واللمع للشيخ أبي إسحاق والملخص والإرشاد لابن عبدويه وكافي الفيائض للصرد والذي ذكره من مسموعاته من الحديث صحيح البخاري وسنن أبي داود وجامع الترمذي وقرأ في أصول الدين الحروف الستة وتزوج في سنة سبع عشر بأم القاضي طاهر المذكور وكان قد تسرى قبلها بحبسه‏.‏

وتفقه ولده القاضي أبو الطيب طاهر المذكور وخلفه في حلقته ومجلسه وأجاب عن المشكلات في حياته وجالس العلماء وروى عنهم وأخذ عن غير واحد وجاور في مكة سنين فيوى عن كبار المحدثين في الحرم الشريف‏:‏ كالأنصاري وعن شيخ المقرئين أبي عبدالله محمد بن ابراهيم الحضرمي ثم عاد إلى وطنه في سنة ست وستين وولي قضاء ذي جبلة وأعمآلها من زمان بني مهدي إلى بعض أيام شمس الدولة من بني أيوب وصنف مصنفات مليحة منها‏:‏ مقاصد اللمع ومنها كتاب في مناقب الإمامين الشافعي وأحمد بن حنبل وجمع بين علم القراءات والحديث والفقه وبرع في علم الكلام وناظر بعض المخالذين بين يدي سلمان الوقت فقطعه مراراً‏.‏

رجعنا إلى ذكر والده الإمام يحيى بن أبي الخير وفي سنة ثمان عشرة ابتدأ بمطالعة الكتب من شروح مختصر المنني والشامل لابن الصباغ وكتاب العدة والإبانة وشرح التلخيص وغير ذلك من الفقهيات فوجد فيها من المسائل ما ليس مذكوراً في المهذب فاستشار شيخه زيد بن عبدالله اليفاعي في ذلك فأشار عليه بجمع ما ليس في كتاب المهذب وشرع في تعليق كتاب الزوائد في السنة المذكورة وولد ابنه طاهر سنة ثمان عشرة وكمل كتاب الزوائد في سنة عشرين وحج وزار في سنة إحدى وعشرين‏.‏وذكر ابن سمرة كلاماً فيما يتعلق بما جرى له في تلك الحجة من المناظرة والكلام في العقيدة مع بعض العلماء رأيت تأخير ذكر ذلك إلى آخر ما يتعلق به الكلام لئلا يفصل بين ما يتعلق بما نحن بصدده من تصنيفه وبين غيره - مما يطول فيه الكلام ويباين في مذاهب الأنام ثم رجع فاستخرج كتابه المؤلف في الدور من كتاب ابن اللمان وغيره ثم نظر في كتابه الزوائد فإذا هو قد رتبه على ترتيب شروح مختصر المنني وأغفل الدور وأقوال فقهاء الأمة من أرباب المذاهب المدونة المشهورة وغيرهم فطالع وراجع ثم ابتدأ بتصنيف كتابه البيان سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وفيغ منه سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة فيتبه على ترتيب محفوظه - وهو المهذب - فجمع البيان في ست سنين وجمع الزوائد في قريب من أربع سنين‏.‏

قال ابن سمرة‏:‏ وذكر في البيان عن الشريف العثماني مسائل تدل على غزارة علمه وفضله وجواز الأخذ باجتهاده ونقله‏.‏قلت وهذا الذي ذكره من نقله عن العثماني صحيح وما ذكره من جواز الأخذ باجتهاد العثماني غير صحيح فإن للعثماني في المذهب وجوهاً ضعيفة جماهير أصحابنا على خلافها‏.‏

ومن ذلك ما نقل عنه أن المكي وغيره ممن ينشىء إحرام الحج من مكة إذا طاف عند خروجه إلى عرفة وسعى بعده يجزيه عن السعي المفيوض عليه في الحج وهذ غير مسلم ولا موافق عليه فإنه لا بد أن يقع السعي بعد طواف الاماضة أو طواف القدوم ولا يصح بعد طواف لا يتعلق بمناسك الحج هذا هو المذهب الصحيح‏.‏

وأما من أطلق من المصنفين في المذهب قوله أنه يصح بعد طواف صحيح‏.‏

وقول بعضهم أنه يصح بعد طواف ما فلا بد من تقييد ذلك بقولنا‏:‏ متعلق بمنسك من مناسك الحج وتكون القيود في ذلك أربعة‏:‏ الأول بعد طواف والثاني صحيح والثالث من مناسك الحج وإلىابع لم يتخلل بينه وبين السعي وقوف‏.‏

ومع ذلك فإن كتاب البيان وإن كان كتاباً جليلاً منتفعاً به في الآفاق فإن فيه وجوهاً ضعيفة - ليس هذا الكتاب موضع تتبع ذكرها - ويكفي منها ما ذكروا أن الشاموم إذا قال‏:‏ ‏"‏ إياك نعبد وإياك نستعين ‏"‏ الفاتحة عند قراءة إمامه ذلك تبطل صلاته‏.‏

ورجعنا إلى ذكر ما يتعلق بتصنيفه قال ابنه القاضي طاهر‏:‏ إنه ما علق الزوائد حتى طالع في المهذب أربعين مرة بعد حفظه له‏.‏

قلت‏:‏ يعني أنه تكرر تتبع الكتاب لينظر‏:‏ هل ما وجد من الزوائد في غيره فيه أم ل لئلا يقع ما يسميه - زوائد ما هو موجود فيه - و ذكر كلاماً مما يدل على قوة حفظه لكتاب المهذب وفهمه فيه وتصرفه في معانيه وامادة الطلبة وتفهيمهم على حسب ما يليق بكل منهم من بسط الكلام والاقتصار على ما يحصل به الإفهام‏.‏

قلت ولا شك أن إلىجل كان كذلك ماهراً في كثير من العلوم - سيما علم الفقه - خصوصاً كتاب المهذب وعليه العمدة كان في جمعه كتاب البيان ثم أضاف إليه ما ذكر من الزوائد كما فعل الشيخ في عبد الغفار في كتابه‏:‏ ألفاوي كما نبه في خطبته بقوله‏:‏ سميته ألفاوي لما حوى الفوائد الزوائد وما في اللماب يعني أنه أودعه ما تضمنه كتابه المسمى باللماب مع زوائد أخرى أضافها إليه‏.‏

وبلغني أنه كثيراً ما كان يعتمد في جمع البيان على كتاب الشامل لابن الصباغ في بعض ما نقل‏.‏

وروى ابن سمرة أنه لما فيغ من كتاب البيان سآله الفقيه محمد بن مفلح الحضرمي - وكان من جلة أصحابه أن يستخرج المسائل المشكلة فاستخرج ذلك ووضعه في كتاب مستقل‏.‏

وذكر أنه في أثناء تصنيف البيان اعتنر من التدريس لاشتغآله بجمعه‏.‏

قلت‏:‏ واللذة يجدها مع الاشتغال - خلقها الله تعالى في قلوب المشتغلين بالعلوم أو بالأعمال - ليكون عوناً على تحصيل المقاصد بحيث إن الإنسان يقدم ذلك الشغل الذي هو فيه على غيره من حظوظ النفس حكمة من الله تعالى ولطفاً حتى أخبرني بعض شيوخنا أنه كان يتغذى بالاشتغال بالعلم قلت‏:‏ ولقد كنت في بعض الأوقات يبيت عشاي مطروحاً أول الليل إلى آخر وقت السحر لما أجد من الميل إلى غيره‏.‏

رجعنا إلى ما كنا‏.‏

وذكر أنه أقام بسير بفتح السين المهملة وسكون المثناة من تحت وفي آخره راء وفي أوله موحدة مكسورة‏:‏ مكان حتى ظهرت حروب فيه وفتن فانتقل إلى ذي السفا ثم إلى ذي أشر وأقام فيه سبع سنين يدرس ويقرأ ثم ظهر ابن مهدي واستولى على زبيد وأعمآلها ثم قويت شوكة ولده مهدي وأغار على الجند وبواديها وقتل من قتل في تلك النواحي سنة سبع وخمسين وخمس مائة ثم في سنة ثمان أخذ جبال اليمن وقتل فيها قتلاً ذريعاً وحرق مسجدها في يوم الاثنين الثامن من شهر شوال ثم رجع إلى زبيد ومات فيها ثم ولي أخوه عبد النبي المعروف بالسيد والإمام على ألسنة العوام وأصحابه يقولون‏:‏ عليه السلام وأسر أبا النور بن أبي الفتح فمات في أسره بزبيد‏.‏

وفي سنة اثنتين وستين أخذ المجمعة واستولى على مخلاف التعك وزالت على يديه دولة آل زريع من المخلاف دامت دولة بني مهدي خمس عشرة سنة وثلاثة أشهر وثمانية أيام إلى أن قدم السلطان شمس الدين من الديار المصرية ثم بعده سيف الإسلا كلاهما من بني أيوب وسيأتي ذكرهما مع غيرهما في تراجمهم إن شاء الله تعالى‏.‏

وعبد النب المذكور هو الذي جرى له مع الشيخين الكبيرين الوليين الشهيرين اليمنيين القديمين أبي العباس الصياد والشيخ علي الأسدي ما جرى في مسجد ألفازة من ساحل زبيد - على ما مضى ذكره‏.‏

ولما كثر الفساد وخربت البلاد وقتلت العباد في دولة بني مهدي انتقل الإمام أبو زكريا يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي المذكور إلى ذي السفال تغيباً عن الشرور وتوفي في السنة التي تليها - رحمه الله تعالى - مبطوناً شهيداً وما ترك فييضة في مرضه فأقام ليلتين ينازع ويسأل عن أوقات الصلاة وذكر الراوي أنه كان ورده في كل ليلة سبع القران يقرأه في صلاته وربما قال في مائة ركعة‏.‏

وكان من جملة تصانيفه‏:‏ كتاب الانتصار في إلىد على القدرية الأشرار وكتابه المشهور بغرائب الوسيط ومختصر من إحياء علوم الدين للإمام حجة الإسلام واشتهر من تصانيفه المذكورات كتاب البيان وانتفع به وشاع فضله في البلمان وعد من الكتب الستة المشهورة المفيدة المبسوطة في الفقه المشكورة - بل الله تعالى برحمته تراه وشكر سعيه وجعل الجنة مأواه - وفيه يقول ألفاعر‏:‏ لله شيخ من بني عمران قد شاد قصر العلم بالأركان يحيى لقد أحيى الشريعة هادياً بزوائد وغرائب وبيان هو درة اليمن الذي ما مثله من أول في عصرنا أو ثاني قلت‏:‏ وأما ما ذكرت من تأخير الكرم على العقيدة فذكر ابن سمرة أنه لقي الفقيه الإمام الواعظ الشريف محمد بن أحمد العثماني وأنه ناظره في العقيدة - والشريف أشعري - فنظر الإمام يحيى مذهب الحنابلة وذكر أنه استدل بالآية وأنه ظهر بالحجة إلى أن نزف الشريف العرق من وجهه كأنه يعني‏:‏ خجلاً‏.‏

وأما اجتماعه بالشريف المذكور فظاهره الصحة خلاف ما ذكر بعض الناس أنه اجتمع في تلك الحجة بأبي حامد الغزالي وأنه بحث معه في المسائل الفقهية - وعليه فيو كما هو زي حجاج اليمن - وأن وأبا حامد أعجبه بحثه فذلك غير صحيح فإن الإمام أبا حامد توفي قبل ذلك في سنة خمس وخمسمائة‏.‏

وأما ما ذكر من كون عقيدته حنبلية فصحيح بالنسبة إلى الحنابلة المتأخرين - حاشى الإمام أحمد - والمتقدمين منهم وقد أوضحت ذلك وأشبعت الكلام فيه في كتابي‏:‏ المرهم وإليه أشرت بقولي‏:‏ وفي حشويات كسوفان أظلما هما جهة والحرف حاش ابن حنبل أعني أن ذلك مذهب الحشوية بعد أن أسفيت البدور لأئمة كل مذهب وذكرت أن بدور المذاهب الثلاثة أنارت وأنه حصل في بدور مذهب الحشوية كسوفان مظلمان وهما ما ذكرت من القول بالجهة والحرف والصوت في كلام الله تعالى‏.‏

وأما ما ذكرت - من كون الإمام أحمد والمتقدمين من أصحابه - براء مما ادعاه المتأخرون منهم فممن نص على ذلك بعض الحنابلة‏:‏ وهو الإمام أبو الفيج بن الجوزي حتى ذكر أنهم صاروا شبه على المذهب باعتقادهم الذي يتوهم غيرهم أنه مذهب أحمد‏.‏

وليس العجب من حنابلة الفيوع وإنما العجب من شافعية الفيوع كصاحب البيان المذكور ومن تابعه من أهل الجبال والكلام معهم في شيئين‏:‏ أحدهما الاحتجاج والثاني الأئمة المحتجون‏.‏

أما الاحتجاج فاستمداده من إلىاهين العقلية القواطع ونصوص الكتاب والسنة المنيرات السواطع وذلك لعمري يحتاج في ذكره إلى مصنف مستقل مشتمل على مجلمات لايسع هذا المكان شيء منها‏.‏

وأما الأئمة المحتجون فقد ذكرت منهم مائة إمام في كتابي‏:‏ الموسوم بألفاش المعلم شاوش وكتاب المرهم المعلم بشرف المفاخر العلية في مناقب الأئمة الأشعرية وما اجتلوا به من الفضائل والمحاسن الحميدة والطريقة السديدة والأوصاف الجميلة ومن متأخريهم جمال الإسلام الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وتصنيفه في ذلك معروف - أعني تصنيفه في أصول الدين وكذا فتياه التي رواها الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر وأنه قال فيها‏:‏ الأشعرية رؤوس أهل السنة وقد أوضحت ذلك في كتابي‏:‏ المرهم‏.‏

وكان الشيخ أبو إسحاق وحده فيه كفاية لصاحب البيان المذكور فإنه هو وغيره معترفون له بالفضائل العديدة والمحاسن الحميدة والطريقة السديدة والأوصاف الجميلة الملاح ألفاهدة له بالصلاح والفلاح‏.‏

ومنهم شيخ الإسلام معدن الفضائل والمحاسن ومعتمد الفتاوى الشيخ محيي الدين النواوي فقد ملأت محاسنه الآفاق وحصل من الموالف والمخالف عليه الاتفاق فكان فيه وحده كفاية لمن عاصره منهم وأتى بعده ومذهبه معروف في شرح مسلم وغيره من كتبه فيما يتعلق بالعقيدة‏.‏

ومنهم حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ومحاسنه وفضائله وعلومه ودلائله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وقد وقف المذكور يحيى على كتابه‏:‏ الأحياء وهو في العلوم بحر تلاطمت أمواجه ومرتقى سنام عسر معراجه‏.‏

فكل واحد من الثلاثة المذكورين فيه كفاية للمقتدين فكيف باجتماعهم مع ما حووه من الفضل والدين‏!‏‏!‏ بل اجتماع ألوف منهم الإمامين من الأئمة الأعلام المبرزين من المشايخ العارفين أولي الأنوار والأسرار واليقين والعلماء الفضلاء الشاملين من المذاهب الثلاثة المعروفة‏!‏‏!‏ وفي عقيدة الشيخ الإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام وحدها كفاية لمن رآها واعتقدها من العلماء وكذا عقيدة الشيخ الكبير الولي الشهير أبي عبدالله القرشي وقد ذكرت ألفاظها في كتابي المرهم وكذلك عقيدة الإمام شهاب الدين السهروردي الموسومة بأعلام آلهدى وغيرهم ممن يطول عددهم ويسمو مجدهم‏.‏

قلت‏:‏ وأما قول الخصوم من المذكورين وغيرهم‏:‏ مذهبنا مذهب السلف فهذا جهل منهم بمذهب السلف فإن السلف ما خالفوا مذهب الخلف إلا بعدم ذكرهم للماويل مع اعتقادهم تنزيه الله تعالى عن سمات الخلق من التجسم والمكان والحركة والانتقال وسائر سمات الحدوث والتغير والزوال وقليل منهم وافق جمهور الخلف في ألفاويل وقليل من الخلف وافق جمهور السلف في عدم ذكرهم ألفاويل‏.‏

كل هذا حكاه الإمام محيي الدين النواوي عنهم في شرح صحيح مسلم والعجب منهم يقولون مذهبنا مذهب السلف وهذا إمام المحدثين من السلف والخلف الذي مذهبه باهج ما أظلم ولا اندرس شيخ الإمام الشافعي‏:‏ مالك بن أنس تأول قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ‏"‏ ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ‏"‏‏.‏

الحديث بتأويلين‏:‏ أحدهما ينزل ملائكته تعالى ورحمته والثاني أنه محمول على الاستعارة لأجابة ألفاعي واللطف كما يقال‏:‏ أترى هؤلاء الخصوم يتوهمون أنهم أعلم وأدرى بالتحقيق وأدين وأقرب إلى التوفيق مما ذكرنا من الأولياء العارفين والعلماء الشاملين أولي النور والفهم والتدقيق‏!‏‏!‏ كلا بل جمدوا على الظواهر ما فهموا استحالتها بالبرهان ألفاطع فهم كما قال الشيخ الإمام - شيخ الاسلام شهاب الدين السهروردي‏:‏ - أيها الشامد المحيط به الجهات فهمك ما ينتج لك إلا الجهات يستحيل عندك أن لا يكون الشيء إلا في مكان - وقد كان المكان لا في مكان يعني السماوات والأرض إذ خلقنا بعد أن لم تكونا فما ظنك بخالقهما تبارك وتعالى‏!‏‏!‏ ولقد بلغني أن الإمام القاضي - طاهر ابن الإمام يحيى بن أبي الخير المذكور - لما شرح الله تعالى صدره للنور أنكر على والده مذهبه وعنفه - وهو في مكة - بالمكاتبة ولقد تعجبت من فقهاء جبال اليمن في عقائدهم بحضرة الشيخ الفقيه الصالح عبد الله ابن الشيخ الولي الشهير ذي المقام ألفالي ألفاكن في ذي السفال وسألته‏:‏ من أين جاءهم هذا الاعتقاد فقال لي‏:‏ غرهم صاحب البيان‏.‏

- هكذا يقول - والله تعالى على ما أقول وكيل‏.‏

وأفهمني أن اعتقاده اعتقاد الإمام الغزالي ولم يزل فقهاء الجبال كلهم قديماً وبعضهم حديثاً - يقدحون في الإمام حجة الاسلام وعقيدته السنية المخالفة لعقيدة الحشوية وما ينكر فضل الغزالي ويسيء الظن به إلا كل مخذول محروم تعيس مشؤوم‏.‏

فقد قال الشيخ الكبير ذو المناقب الكثيرة والفضائل الشهيرة‏:‏ ألفارف بالله ذو النور القدسي أبو العباس - المعروف بالمرسي - لما ذكر الغزالي إنا لنشهد له بالصديقية العظمى‏.‏

وقال شيخه - شيخ الشيوخ في أوانه وقطبهم في زمانه - الشيخ أبو الحسن ألفاذلي قدس الله روحه‏:‏ من كانت له إلى الله تعالى حاجة فليتوسل إليه بالإمام أبي حامد الغزالي‏.‏

كل هذا رواه الشيخ الإمام تاج الدين عطاء الله في كتابه‏:‏ لمائف المنن‏.‏

وكذلك الفقيه الإمام ألفارف بالله تعالى رفع المقام الذي كثرت كراماته وعظمت وقال للشمس يوماً‏:‏ قفي فوقفت إلى أن وصل إلى موضعه الذي يريد من مكان بعيد‏:‏ أبو الفدا اسماعيل بن محمد الحضرمي لما جاءته فتوى من فقهاء الجبال يقولون فيها - لمبالغتهم في الطعن فيه -‏:‏ هل يجوز قراءة كتب الغزالي أجاب بجواب أوله‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون وآخره‏:‏ ومحمد بن محمد بن محمد الغزالي سيد المصنفين‏.‏وفقهاء جبال اليمن مخالفون لفقهاء تهامتها كما ذكر ابن سمرة أنه وقع في زمان صاحب البيان تكفير من بعض فقهاء الجبال لفقهاء زبيد هذا كله لانطوأنهم على الجمود وعدولهم عن طريق الحق المحمود‏.‏

رجعنا إلى ذكر الغزالي وكذلك الشيخ الكبير الولي الشهير أبي العباس المعروف بالصياد اليمني في كتاب سيرته إلىضية الشهيرة المروية ما هو معروف من كونه رأى في حال ورد عليه أبواب السماء وقد فتحت ونزل منهما عصبة معهم خلع خضر ومركوب فجاؤوا إلى مقبرة فانشق قبر منها وخرج منه إنسان فألبسوه تلك الخلع وأركبوه على ذلك المركوب وعرجوا به من سماء إلى سماء ولم يزالوا كذلك إلى أن حرقوا السماوات السبع وسبعين حجاباً بعدها قا‏:‏ فسألت بعضهم‏:‏ من هذا قال‏:‏ الغزالي‏.‏

قال‏:‏ ولا أدري أين بلغ انتهاؤه هذا في حال كشف ومشاهدة وحال من الأحوال الواردة‏.‏وأما المنامات المباركة إلىضية ألفالة على صحة عقيدة الأشعرية من رؤية إلىسول عليه السلام وغيره فها أنا أعقد لها وحدها فصلاً‏.‏

فصل في ذكر بعض المنامات المباركة الرضية ألفالة على صحة عقيدة الأشعرية من رؤية إلىسول عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام وشيء من رؤية الأولياء والملائكة الكرام‏.‏

من ذلك ما روى الإمام الحافظ ابن عساكر بسنده إلى الإمام الشيخ أبي الحسن الأشعري أنه قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العشر الأواخر من شهر رمضان فقال لي‏:‏ يا علي أنصر المذاهب المروية عني فإنها الحق‏.‏

- وكان ذلك سبب انتصابه للرد على المبتدعين -‏.‏

قلت ومن ذلك ما روينا بالإسناد الصحيح المتصل ألفالي المسلسل إلى سيد الخلق إلىسول الكريم المبخل صلى الله عليه وآله وسلم أنه باهى بالإمام الغزالي موسى وعيسى ابن مريم - صلوات الله تعالى على الجميع - وقال‏:‏ أفي أفتيكما حبر كهذا قالا‏:‏ لا‏.‏

وأخبرني به الشيخ الفقيه الإمام الولي الكبير إلىفيع المقام شهاب الدين المعروف بابن الميلق عن شيخه السيد الكبير الفقيه ألفارف بالله الشهير تاج الدين بن عطاء الله ألفاذلي عن شيخه أستاذ الأكابر معدن الأنوار ملقح السرائر أبي العباس المرسي ألفاذلي عن شيخه القطب أبي الحسن ألفاذلي المذكور شيخ الشيوخ ألفاذلية المشهور أنه قال‏:‏ رأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام باهى بالغزالي وذكر ما تقدم‏.‏

ومن ذلك ما تقدم في ترجمة الإمام أبي حامد الغزالي في سنة خمس وخمسمائة من رواية الإمام الحافظ ألفاهر شيخ المحدثين أبي القاسم ابن عساكر في كتابه المشتمل على مناقب أبي الحسن الأشعري قال‏:‏ سمعت الإمام الفقيه ابا القاسم سعد بن علي بن أبي القاسم ابن أبي هريرة الاسفيائيني الصوفي الأشعري بدمشق قال‏:‏ سمعت الشيخ الأوحد زين القراء جمال الحرم أبا الفتح عامر بن النحام بن أبي عامر ألفاوي بمكة أنه رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وذكر قصة طويلة مشتملة على مرتبة جليلة للإمام أبي حامد المذكور ذكرتها أيضاً في كتاب نشر المحاسن ألفالية وفي كتاب‏:‏ ألفاش المعلم ومختصرها أنه رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بين اليقظة والمنام فإذا بالأئمة أصحاب المذاهب جاؤوا يعرضون مذاهبهم عليه فذكر أن أول من جاءه الشافعي فبش به وأكرمه ثم جلس بين يديه ثم كذلك ذكر في الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - وعرضا عليه مذهبهما ثم كذلك كل ذي مذهب‏.‏

قال‏:‏ ثم جاء بعض المبتدعين ممن يبغض الصحابة بكتاب معه في كراريس ليعرضه فطرد من بعيد ولم يترك أن يصل إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وزجر ورمي بالكراريس من يده وأهين‏.‏

قال إلىاوي‏:‏ فلما رأيت أن القوم قد فيغوا - تقدمت وكان في يدي كتاب - فناديت وقلت‏:‏ يا رسول الله هذا معتقدي ومعتقد أهل السنة لو أذنت لي حتى أقرأه عليك فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -‏:‏ وإيش ذلك قلت‏:‏ يا رسول الله‏!‏ هو قواعد العقائد الذي صنفه الغزالي

فقعدت وابتدأت‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم كتاب قواعد العقائد وفيه أربعة فصول‏:‏ الفصل الاول في كلمتي الشهادة‏.‏

وذكر أنه قرأ العقيدة إلى أن انتهى إلى قول الإمام أبي حامد‏:‏ معنى الكلمة الثانية وهي شهادة للرسول وأنه بعث إلىسول النبي الأمي القرشي إلى كافة العرب والعجم والجن والإنس‏.‏

فلما بلغت إلى هذا رأيت البشاشة والتبسم في وجهه صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتهيت إلى نعته وصفته التفت إلي وقال‏:‏ أين الغزالي فإذا بالغزالي فقال‏:‏ ها أنا ذا يا رسول الله فتقدم وسلم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيد عليه الجواب وناوله يده العزيزة والغزالي يقبل يده ويضع خديه عليها تبركاً به وبيده العزيزة المباركة ثم قعد فقال‏:‏ فما رأيت - رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - أكثر استبشاراً بقراءة أحد مثلما كان بقراءتي عليه قواعد العقائد‏.‏

ثم انتبهت من النوم - وعلى عيني أثر الدموع مما رأيت انتهى مختصراً‏.‏

ومن ذلك ما رأيته بالإسناد المتقدم عن الشيخ أبي الحسن ألفاذلي وذكرته في غير كتاب من كتبي ومختصره أن الامام أبا الحسن بن حرزم المعروف في لمان الشامة بابن حرازم المغربي كان ينكر على الغزالي ويطعن فيه فيأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام وإذا بالغزالي قد اشكى به إليه فأمر صلى الله عليه وآله وسلم بجلده‏.‏

قال الشيخ أبو الحسن ألفاذلي‏:‏ ولقد مات يوم مات وأثر السياط على جلده‏.‏قلت‏:‏ وأخبرني بعض ذرية الشيخ ابن حرزم المذكور - وهو محرم جاث على ركبتيه باك بعينيه في الحرم الشريف - بزيادة على ما ذكرت مما هو مسطور في سيرد جده أنه كان جده المذكور مطاعاً في بلاد المغرب‏.‏

وقال غيره‏:‏ كان رئيس الفقهاء فنظر في الإحيا فقال‏:‏ هو خلاف السنة‏.‏

ثم التمس السلطان أن يأمر منادياً ينادي في البلاد بإحضار نسخ الإحياء قال‏:‏ فلما حضرت اجتمع هو والفقهاء ونظروا فيها وكان ذلك في يوم الخميس فاجتمع رأيهم على أن يحرقوها يوم الجمعة بعد الصلاة‏.‏

فلما كانت ليلة الجمعة رأى النبيً - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الجوامع ومعه أبو بكر وعمر والنور هنالك ساطع وهم جلوس فإذا بالإمام الغزالي قائم فلما رآني قال‏:‏ يا رسول الله هذا خصمي‏.‏

ثم جثا على ركبتيه وزحف عليهما من مكانه إلى أن وصل إلى الموضع الذي فيه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وناوله نسخة من كتاب الإحياء وقال‏:‏ يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا يزعم أني أقول عنك خلاف سنتك فانظر فيه فإن كان كما يزعم استغفرت الله تعالى وتبت وإن كان شيئاً تستحسنه حصل لي من بركتك فخذ لي حقي من خصمي‏.‏

قال‏:‏ فنظر فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من أوله إلى آخره ثم قال‏:‏ إن هذا حسن ثم ناوله الصديق رضي الله تعالى عنه فنظر فيه ثم قال‏:‏ نعم والذي بعثك بالحق إنه لحسن ثم ناوله عمر - رضي الله تعالى عنه - فنظر فيه ثم قال كذلك‏.‏

قال الراوي أبو الحسن المذكور‏:‏ فعند ذلك أمر بتجريدي فضربت خمسة أسواط ثم شفع في الصديق وقال‏:‏ يا رسول الله إنما فعل هذا اجتهاداً في سنتك وتعظيماً لها‏.‏قال‏:‏ فعند ذلك عفا عني أبو حامد وبقيت متوجعاً لذلك خمساً وعشرين ليلة ثم رأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاء ومسح علي وتوبني فشفيت ونظرت في الإحياء ففهمته غير الفهم الأول‏.‏

انتهى‏.‏

قلت ومعلوم أن كتاب الإحياء مشتمل على عقيدة الأشعرية وعلى مذهب الصوفية وقد استحسن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك وصاحباه فلزم أن تكون العقيدة حسنة حميدة وطريقة الصوفية رضية سديدة‏.‏

ومن ذلك ما أخبرني بعض الأخبار من أهل اليمن أنه شوهد الشيخ الإمام المحدث في زبيد أحمد بن أبي الخير جألفا بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعرفه إلىائي فقال‏:‏ يا رسول الله من هذا فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ هذا الذي لم ينزل على سنتي‏:‏ أحمد بن أبي الخير‏.‏

قلت‏:‏ وعقيدته عقيدة الأشعرية والدليل على ذلك أنه سالني بعض الفقهاء من أهل عدن هو الفقيه عمر بن يحيى المعروف بابن الجراف بالجيم وإلىاء المشددة عن عقيدة أشير عليه بها ليعتمد عليها فقلت له‏:‏ عليك بعقيدة الإمام عز الدين بن عبد السلام - وإنما أشرت بها لأنها لإمام فحل في مبارزة الخصوم مشهور بالمحاسن وتحقيق العلوم - فقال لي‏:‏ قد أشارعلي بها الإمام أحمد بن أبي الخير فأعجبني ذلك وسررت به لكونه من أئمة المحدثين وبعضهم يعتقد الظواهر‏.‏

قلت ومن ذلك منامات أخر مما يتعلق بي - مشتملة على كلام طويل أحكيها بلفظها أو معناها - والله على ما أقول وكيل‏.‏

الله يجعل ذلك نصحاً لا تبجحاً وإرشاداً لا تمدحاً ويرزقنا السلامة من الزيغ والفتن ألفاطنة والظاهرة والعفو وألفافية في الدين والدنيا والآخرة‏.‏

ومن ذلك ما أخبرني بعض مشايخ الصوفية اليمانيين المباركين الصالحين بمكة في بعض حجاته نفع الله تعالى ببركاته قال‏:‏ لما دخلت تعز اجتمعت بجماعة من أهلها أو قال من فقهأنها فجرى ذكرك بقول لي فقالوا‏:‏ ذاك أشعري يعني أنهم أخرجوا ذلك مخرج القدح في المذهب المذكور فقال‏:‏ فبت وفي نفسي شيء من ذلك فرأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام فقلت‏:‏ يا رسول الله ما تقول في فلان فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بجواب يسر أستقبح أن أذكره لكونه يتعلق بالمدح لي والوعد بما لست من أهله وإن كان فضل الله تعالى أوسع من ذلك أسأله من كرمه تعالى حصول نيله‏.‏

ومن ذلك أنه جاءني في كتاب من اليمن من بعض الصالحين في عدن - قبل تاريخ هذا الكتاب بنحو سنتين - مشتمل على معارف وحكم ومواعظ وعبر فيه كفاية لمن اتغظ واعتبر وهو مختوم بكلام مضمونه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في جامع أو قال‏:‏ في مسجد وهو معه وفي ذلك المسجد حلمات كثيرة فأخذ - صلى الله عليه وآله وسلم - بيده ومشى به إلى حلقة ذكر في كتابه أني أنا المتحدث فيها ثم قال له - صلى الله عليه وآله وسلم -‏:‏ عليك بحلقة الفقيه فلان وأشار إلي‏.‏

قلت‏:‏ ووجه الاستدلال بهذا على صحة العقيدة أن من أمر ألفارع بمجالسته فقد أرشد إلى الاقتداء به ومن جملة ما يقتدى به من الخصائل الحميدة‏:‏ صحة العقيدة‏.‏

ومن ذلك أنه كما سماني صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المنام فقيهاً فقد سماني في منام بعض الأولياء العارفين المنورين المكاشفين شيخاً واماماً‏.‏

ومعلوم أن كل واحد من اللفظين متضمن لجواز الاتباع والاقتداء والإرشاد والاهتداء ومن جملة الاقتداء الاتباع في الأقوال والأفعال والعقائد وسائر الأحوال‏.‏

وهذا المنام المذكور فيه كلام يطول وسر ما فيه من المحصول ذكرته في باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتابي‏:‏ الموسوم بالإرشاد ومختصره أنه رآني على سرير في قصر في بستان وعندي الشيخ الكبير ألفارف بالله سهل بن عبد الله وأني أتيت بأربع خلع خضر لبست واحدة وخلعت ثلاثاً على ثلاثة من أصحابي وأن إلىسول - صلى الله عليه وآله وسلم - جاء إلى ذلك البستان وسأل عني وقال‏:‏ أين الشيخ فلان ما جئنا إلا لزيارته وأنه مسح بيده الكريمة على رأسي ودعا لي وأوصاني فقال له أصحابي‏:‏ أوصنا فقال‏:‏ أوصيكم بما أوصيت به إمامكم ولم أكن إماماً لهم في الصلاة فعم بالإمامة وفيهم الفقيه والصوفي‏.‏ثم أتى - صلى الله عليه وآله وسلم - بطبق فيه فواكه فأخذ منه حبة رمان وأطعم كل من هو حاضر في ذلك البستان ومن جملة إطعامه الفواكه لي ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه ناولني بكفيه الكريمتين مرتين من بعض الثمار وما رأى بعض الصالحين أنه رآني آكل رطباً بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر وصف ذلك إلىطب والظرف الذي هو فيه وحسنهما‏.‏

ومن ذلك ما رأى بعض الصالحين من العالمين‏:‏ وهو الفقيه الإمام المشهور بالصلاح عند الفقهاء والعوام أحمد الجبرتي - المدفون في عدن في شهر رمضان - في المنام ومعناه إن لم يكن لفظه بعينه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مهتماً بأمر فسأله عن اهتمامه فقال عليه السلام‏:‏ أريد أن أرى أربعة رجال في أربعة بلمان وذكر من البلمان مكة والمدينة وذكر للمدينة الشيخ عبد الوهاب الجبرتي وذلك في حياته رحمه الله تعالى أيام إقامته بالمدينة وذكر لمكة ما هو مفهوم مما نحن بصدده وأستغفر الله العظيم من ذكره - ومعلوم أنه لا يولي إلا من يجوز الاقتداء به‏.‏

ومن ذلك ما رأيت في المنام في بعض الأوقات المباركات في أوان التجرد والأنس في الخلوات وقد كان جماعة من أهل الخير والمشتغلين بالله تعالى لازموني في الإقامة معهم في بعض البلاد وقالوا‏:‏ هو أصلح لك من الانفراد فمال ألفاطر إلى الانعزال فذهبت عنهم سائحاً فرأيت في المنام بعد أن قرأت سورة المائدة كأنه قد قرب طعام وخصصت بشيء منه وحدي وإلى جنبي جماعة جمعوا على طعام فذهب أحدهم يمدح العزلة ويذم الاختلاط فقلت له‏:‏ قد ذكروا أن الخلطة أفضل لمن يسلم فيها‏.‏

قال‏:‏ ومن ذا الذي يسلم اليوم في الخلطة‏!‏ ثم سمعت كأن أناساً يتجادلون في مسألة الجهة وواحد منهم يقول‏:‏ إن لم يكن جهة فليس للوجود صانع - تعالى الله عن قوله هذا - فلما كان بعد ساعة سمعت إنساناً يصرخ وهو يعاقب ويضرب فسألت بعض من حضر هنالك عن ذلك فقال‏:‏ هو ألفائل القول المذكور في الجهة‏.‏

ثم أبصرت جنداً كأنهم عسكر سلمان قد أقبلوا على خيل وحدها ومعها هجا وهم يلزمون الناس ويمنعونهم في اعتقادهم ولهم هيبة عظيمة في القلوب فخشيت أن يمسكوني فمروا بجنبي مسرعين وقالوا‏:‏ اثبت على اعتقادك فأنت على الحق‏.‏فذهب عني ما كنت أجده من الخوف ثم نظرت كأن بقربي بئرين وخضرة كالمزارع أو البساتين وإذا إنسان يقول وهو يشير إلى إحدى البئرين‏:‏ هذي بئر فلان حسبت أنها أوسع وأنها أغزر ماء من الآخرى وأشار إلي أنه أخطاء في اعتقاده‏.‏

ثم انتبهت من منامي وأفكرت فيه ففهمت جميع إشاراته من فضيلة العزلة والتخصيص بالمائدة بعد قراءة سورة المائدة ومعاقبة المعتقد للجهة وعسكر السلطان الممتحنين في العقائد والأديان والإشارة بالثبات على الصحيح من العقيدات إلا البئرين ونسبة أحدهما إلى الشخص المذكور ثم بعد ساعة ذكرت أنه مخالف في اعتقاده للجمهور وهو ابن تيمية ومذهبه في ذلك مشهور‏.‏

ومن ذلك ما أخبرني السيد الكبير الشيخ الولي الشهير الشريف جلال الدين شيخ بلاد ملمان - أمتع الله بحياته وأعاد علينا من بركاته - أنه أمر في المنام أن يقرأ على عقيدتي ويعتقدها وغير ذلك مما يكثر ذكره مما يتعلق بالنبي عليه أفضل الصلاة والسلام وبالأولياء والملائكة الكرام مما رأه لي الأولياء أهل الكرامات والهناء وما رأيته أنا والحمد لله الجميل الثناء على ما منح من النعم وأزال من العناء وجزى الله نبينا وسيدنا محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - أفضل الجزاء وجمع بيننا وبينه وبين سائر الأحباب والمحبين في دار الكرامة والنعيم بمحض فضل الله الكريم‏.‏

آمين اللهم آمين وصلاته وسلامه ورحمته وبركاته على عباده الذين اصطفى وخص من بينهم محمد المصطفى‏.‏

وقد لوحت إلى شيء مما ذكرت ببعض الإشارات في ضمن هذه الأبيات من بعض القصيدات وهي القصيدة الموسومة بنزهة الألفاب وطرفة الآداب واستعارات المعاني ففي العلم مصباح وفي الجهل ظلمة تكون خلاف الاهتدا وضلائل ولكن نور العلم بالله فائق على كل نور للعلوم وفاضل ويتلوه علم الفقه إذ عم نفعه به الخلق والخلاق كل يعامل فذاك هو المقصود لكنه إلى وسائل محتاج بها يتكامل وللعلم فضل ليس يجهل قدره سوى جاهل ما فوق ذلك جاهل فكم خبر قد صح عن سيد الورى بتفضيله القرآن في ذاك نازل وهذا زمان فيه عزت سلامة وشيخ لإرشاد المريدين كامل وشيخ تفيد ألفالبين علومه مع الفضل بالعلم المشرف عامل وقد عز جدا ذلكم في كليهما وإن قلت معدوماً فما القول باطل وممن له بالشيخ سمى نبينا ال إمام أبو إسحاق في شيراز نازل بهذا روى السمعاني البحر في كتابه الذيل في تاريخ بغداد ناقل وكان أبو إسحاق في ذا افتخاره دعاني النبي شيخاً لذلك قائل بإبراز حكمات وما فيه غبطة لأهل زماني فاكهات فواضل وما في المنام المصطفى لي مسمياً إماماً وشيخاً ما دعا لي قائل كذاك فقيهاً قد دعاني مبادراً إلى حلقتي والعلم فيه محافل رأى كل ذالي سيد بعد سيد من الأولياء والحمد الله كامل فإن شئت صدق - واقبل النصح أو تشا فكذب ونصحي لا قبولاً تقابل وهاك ثماراً في قصيد تنوعت فكل ما تشا مما له الطبع قابل وما لم يناسب دع لمن فيه راغب فما لم له تكل فغيرك يأكل فإن طباع الخلق شثى فجامد ولين طبع للمحبة مائل بذكر استعارات المعاني شجونه وذكر الهوى كل به الذوق حاصل فكم من رقيق الغزل لم يلق ناسجاً وعذب زلال لم يرد ذاك ناهل يقر بأسماع جلاف تمجه وتمرر إن ذاقت قلوب علائل وهل فاق للمال السقيم حلاوة ويحفظ للماء اللطيف المناخل قلت‏:‏ وفي قولي من عريبة إلى آخره إشارة إلى ما أدخلت في العربية من علوم واستعارات وحب ووعظ واعتقاد ومدح إلىسول عليه افضل الصلاة والسلام ومدح الأولياء الكرام والحضرة والمدام واستعرت عربية السماط المذكور وهي ما يعتاده العرب من المرقة الصرف في طبخ اللحم لصرف عربية النحو غير مخلوط به غيره أعني نوعته بهذه الأنواع لئلا تمله بعض الطباع علما مني بأن إخواننا المتصوفين يملون من الوقوف على مجرد ظاهر العلم ولهذا قلت‏:‏ وها هي بألوان من الحلي تختلي بكل من الألوان في الحلو مائل فإن صادفت بعض المعاني مولما أخا شجن في عندها ثماثل خصوصاً إذا ما كان من مشرب الهوى له ذوق طبع أو مواجيد حاصل وإبراز حكمات وما فيه غبطة لأهل زماني فاكهات فواضل إشارة إلى ما ذكره ثلاثة من الأولياء الجلة العارفين بالله فقولي بإبراز حكمات إشارة إلى ما قاله لي شيخنا وسيدنا وقدوتنا ألفارف بالله علي بن عبد الله الطواشي - قدس الله روحه - حيث قال‏:‏ يا ما يبرز الله تعالى من هذا الصدر من الحكم وقولي‏:‏ وما فيه غبطة‏:‏ إشارة إلى ما قاله الشيخ الكبير الولي الشهير خالد بن شبيب الغزاوي حيث قال وقد جرى ذكري في مجلسه‏:‏ - يغبطه أهل زمانه فيما رواه بعض الصالحين عنه‏.‏

وقولي‏:‏ فاكهات فواضل‏:‏ إشارة إلى قول الشيخ الكبير ألفارف بالله الخبير الشيخ عبد الهادي المغربي فيما روى عنه تلميذه عبد إلىزاق وقد سئل عني‏:‏ هو فاكهة زمانه‏.‏فهذا ما أشرت إليه من التنبيه لإزالة الإغماض في بعض هذه الألفاظ فهذه الثلاث المذكورات مما أشار به الغر الأكابر الأفاضل المذكورون‏.‏

ومما أشار إليه بعضهم أيضاً أنه قال‏:‏ رأيتك قد أركبت فرساً وحملت بين يديك غاشية وحولك خلق أو قال‏:‏ بعدك وأجلسك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على كرسي‏.‏

وقال آخر منهم‏:‏ رأيتك مزيناً بالذهب في يديك والملائكة ترفعك في الهواء عند الكعبة والحجر الأسود يضحك إليك ورأيت في يدك عكازاً نصفه أخضر ونصفه أبيض فسألتك عنه فقلت‏:‏ هو من عند ربي عز وجل‏.‏وقال آخر منهم‏:‏ سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ من أصحب فقال عليه السلام‏:‏ فلاناً وأشار إليك‏.‏وقال آخر منهم‏:‏ سألت النبي عليه السلام في الصلاة أن يكفلك فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ قد فعلنا قبل أن تسأل‏.‏

قلت‏:‏ وأرجو من الله تعالى تحقيق ذلك وتحقيق ما قاله لي بعضم تجاه الكعبة لما أشار إلى شيء بشرني به فقلت له‏:‏ إن شاء الله تعالى فقال لي‏:‏ قد شاء وما وعدني به صلى الله عليه وآله وسلم في منامي بعد أن شكوت إليه شيئاً فقال‏:‏ أنا ظهرك أو سندك - مع ما تقدم من دعأنه صلى الله عليه وآله وسلم لي الدعاء المعين المذكور وكذلك دعا لي صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

- في أيام تعلمي - القرآن بدعاء ما فهمته بعد أن قبلت يده صلى الله عليه وآله وسلم وأظنه صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك بي‏.‏

والحمد لله على جميع ذلك وأسأله الزيادة والإعادة من المهالك وأن يجزي سيدنا محمداً وآله عنا أفضل الجزاء وأن يوزعنا شكر نعمته ويعيدنا من المكر والشقاء‏.‏

 سنة تسع وخمسين وخمس مائة

فيها كسر نور الدين الفرنج وأحاط بهم المسلمون فاستجر القتل والأسر بهم فأسر صاحب أنطاكية وصاحب طرابلس ومقدم نصارى إلىو وتسلم نور الدين بعض القلاع‏.‏

وفيها سار ملك القسطنطينية بجيوشه وقصد بلاد الإسلام فلما قاربوا مملكة أرسلان جعل التركمان يبيتونهم ويغزون عليهم في الليل حتى قتلوا منهم نحو عشرة آلاف فردوا بذل وخيبة وطمع فيهم المسلمون وأخذوا لهم عدة حصون‏.‏

وفيها سار جيش نور الدين مع مقدم عسكر أسد الدين فدخلوا مصر وقتل الملك المنصور الضرغام الذي كان قد قهر شاور السعدي ثم تمكن شاور وخاف من عسكر الشام واستنجد بالفرنج فأنجدوه من القدس وما يليه ثم صالحوا أسد الدين ورجع إلى الشام‏.‏

وفيها توفي صاحب سجستان أبو الفضل نصر بن خلف عمر مائة سنة ملك منها ثمانين سنة وكان عادلاً حسن السيرة وما بلغنا أن أحداً من الملوك بلغ ملكه مثل هذا القدر‏.‏

وفيها توفي وزير صاحب الموصل محمد بن علي المعروف بالجواد الأصبهاني‏.‏

كان دمث الأخلاق مسن المحاضرة مقبول المفاكهة استوزره صاحب الموصل وفوض الأمور وتدبير الدولة إليه وظهر حينئذ جود الوزير وانبسطت يده ولم يزل يعطي ويبذل الأموال ويبالغ في الإنفاق حتى عرف بالجواد وصار ذلك كالعلم عليه وأثر آثاراً جميلة واجرى الماء إلى عرفات أيام الموسم من مكان بعيد وعمل الدرج من أسفل الجبل إلى أعلاه وبنى سور مدينة إلىسول صلى الله عليه وآله وسلم وما كان قد خرب من مسجده وكان يحمل في كل سنة إلى مكة والمدينة من الأموال والكسوات للفقراء والمنقطعين ما يقوم بهم مدة سنة‏.‏

وكان له ديوان مرتب باسم أرباب إلىسوم والقصاد لا غير وتنوع في فعل الخير حتى أنه جاء في زمنه غلاء مفرط فواسى الناس حتى لم يبق له شيء وكان إقطاعه عشر مغل البلاد على جاري عادة وزراء الدولة السلجوقية‏.‏

وأخبر بعض وكلأنه أنه دخل يوماً فناوله بقيارة وقال له‏:‏ بع هذا واصرف ثمنه إلى المحاويج فقال له الوكيل‏:‏ إنه لم يبق شيء عندك سوى هذا البقيار والذي على رأسك وإذا بعت هذا ربما تحتاج إلى تغيير البقيار فلا تجد ما تلبسه فقال له‏:‏ إن هذا الوقت صعب كما ترى وربما لا أجد وقتاً أصنع فيه الخير كهذا الوقت فخرج الوكيل وباع البقيار وتصدق بثمنه‏.‏

وله من النوادر أشياء كثيرة وأقام على هذه ألفالة إلى أن توفي السلطان غازي وتولى أخوه قطب الدين فاستكثر إقطاعه وثقل عليه أمره وقبض عليه وحبسه إلى أن توفي مسجوناً في العشر الأخير من شهر رمضان - وقيل من شعبان في السنة المذكورة - وصلي عليه وكان يوماً مشهوراً من ضجيج الضعفاء والأرامل والأيتام حول جنازته ودفن بالموصل إلى بعض سنة ستين ثم نقل إلى مكة - حرسها الله تعالى - وطيف به حول الكعبة بعد أن صعدوا به ليلة الوقفة إلى جبل عرفات وكانو يطوفون به كل يوم مراراً مدة مقامهم بمكة وكان يوم دخوله مكة يوماً مشهوراً من اجتماع الخلق والبكاء عليه وكان معه شخص مرتب يذكر مآثره ويعقد محاسنه إذا وصلوا به إلى المزارات والمواضع المعظمة فلما انتهوا به إلى الكعبة وقف وأنشد‏:‏ يا كعبة الإسلام هذا الذي جاءك يسعى كعبة الجود قصدت في الشام وهذا الذي لم يخل يوماً غير مقصود ثم حمل إلى مدينة إلىسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ودفن بها بالبقيع بعد أن أدخل المدينة وطيف به حول حجرة إلىسول - صلى الله عليه وآله وسلم -‏.‏

وكان ولده الملقب جلال الدولة من الأدباء الفضلاء البلماء الكرماء وله ديوان رسائل أجاد فيه وجمعه أبو السعادات بن الأثير

 سنة ستين وخمس مائة

فيها وقعت فتنةهائلة بأصبهان تعصباً للمذاهب وبقي الشر والقتل والقتال ثمانية أيام حتى قتل خلق كثير وأحرقت أماكن كثيرة‏.‏

وفيها توفي أبو المعمر حذيفة بن سعد الأزجي‏.‏وفيها توفي فقيه أهل الجزيرة أبو القاسم عمر بن محمد الشافعي الجزري إمام جزيرة ابن عمر ومفتيها‏.‏تفقه على الإمام الغزالي وغيره وسمع عليه وعلى أخيه وصحب ألفاشي صاحب كتاب المستظهري واشتغل أولاً على الشيخ أبي الغنائم السلمي ألفارقي وعلى الكبار وصار أحفظ أهل زمانه للمذهب وله مصنف كبيرعلى أشكالات المهذب وغريب ألفاظه وأسماء رجاله وكان من العلم والدين في محل رفيع وانتفع به خلق كثير‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو يعلى الصغير محمد بن محمد ابن القاضي الكبير أبو يعلى ابن الفراء البغدادي الحنبلي‏.‏

وكان موصوفاً بالذكاء والفصاحة ولي قضاء واسط ثم عزل منها‏.‏

وفيها توفي أبو طالب العلوي محمد بن محمد بن محمد الشريف الحسني البصري نقيب ألفالبين‏.‏

روى عن أبي علي التستري وجعفر العبادي وجماعة واستقدمه ابن هبيرة لسماع السنن فروى الكتاب بالإجازة سوى الجزء الأول فإنه بالسماع من التستري‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن ابن التلميذ أمين الدولة هبة الله بن صاعد النصراني البغدادي شيخ قومه وقسيسيهم‏.‏

وفيها توفي شيخ الطب جالينوس عصره صاحب التصانيف ووزير المقتفي أبو المظفر الملقب عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرة‏.‏

دخل بغداد شاباً فطلب العلم وتفقه وسمع الحديث وقرأ القراءات وشارك في الفنون وصار من فضلاء زمانه‏.‏ثم دخل في الكتاب وولي مصارف الخزانة ثم ترقى وولي ديوان ألفاص ثم استوزره المقتفي فبقي وزيراً إلى أن مات وكان شامة بين الوزراء لعدله ودينه وتواضعه ومعروفه وفضائله‏.‏

روى عن جماعة ولما ولاه المقتفي امتنع من لبس خلعة الحرير وحلف أنه لا يلبسها‏.‏

وكان مجلسه معموراً بالعلماء والفقهاء والبحث وسماع الحديث‏.‏

وشرح‏:‏ الجمع بين الصحيحين وألف كتاب العبادات في مذهب الإمام أحمد‏.‏

ومات شهيداً مسموماً وسمع منه خلق كثير منهم الحافظ أبو الفرج بن الجوزي واختصر كتاب إصلاح المنطق وله أرجوزة في المقصور والممدود وأرجوزة في علم الخط وغير ذلك‏.‏

ومدحه الشعراء منهم‏:‏ أبو الفتح محمد بن عبدالله سبط ابن التعاويذي قال‏:‏ سقاها الحياء أربع وطلول حكت دنفي من بعدهم ونحولي ضمنت لها أجفان عين قريحة من الدمع مدرار الشوؤن همول لئن حال رسم ألفارعما عهدته فعهد الهوى في القلب غير محيل ووكل طرفي بالسهاد بنظرتي قضاء مليء بالديون ملول إذا قلت قد أنحلت جسمي صبابة يقول‏:‏ وهل حب بغير نحول وإن قلت دمعي بالأسى فيك شاهدي يقول شهود الدمع غير عدول فلا تعذلاني إن بكيت صبابة على ناقض عهد الوفاء ملول فابرح ما تمنى به الصب في الهوى ملال حبيب أو ملام عذول ودون الكئيب الفرد بيض عقائل لعين بألفاب لنا وعقول غداة التقت ألفاظها وقلوبنا فلم يجل إلا عن دم وقتيل ألا حبذا والي الأراك وقد وشت برياك ريحا شمأل وقبول وفي أبرديه كلما اعتلت الصبا شفاء فؤاد بالغرام - عليل دعوت سلواً فيك غير مساعد وحاولت صبراً عنك غير جميل تعرفت أسباب الهوى وحملته على كاهل للنائبات حمول فلم أحظ من حب الغواني بطائل سوى رعي ليل بالغرام طويل وإن يدي يحيى الوزير لمافل بها لي وعون الدين خير كفيل وأهدي إلى الوزير عون الدين دواة بلور مرصعة بمرجان وفي مجلسه جماعة فيهم حيص بيص فقال الوزير‏:‏ يحسن أن يقال في هذه الدواة شيء من الشعر فقال بعض ألفاضرين‏:‏ ألين لماود الحديد كرامةً يقدره في السرد كيف يريد ولان ذلك البلور وهو حجارة ومعطفه صعب المرام شديد فقال حيص بيص له‏:‏ إنما وصفت صانع الدواة ولم تصفهما‏!‏ فقال الوزير‏:‏ من غيره فقال حيص بيص‏:‏ صيغت دواتك من يوميك فاشتبها على الأنام ببلور ومرجان فيوم سلمك مبيض يفيض ندى ويوم حربك قان بالدم ألفاني وقد تقدمت حكاية عنه في السبب الذي نال به الوزارة في ترجمة السيد الجليل الولي الحفيل ذي الوصف الجميل والمجد الأثيل معروف - عرفنا الله تعالى بركته - في سنة مائتين‏.‏

 سنة إحدى وستين وخمس مائة

فيها كثر ببغداد إلىوافض والسب وعظم الخطب‏.‏

وفيها توفي مسند أصبهان الإمام أبو عبدالله الحسن بن العباس الأصبهاني إلىستمي الفقيه الشافعي سمع أبا عمرو بن منده وطائفة وتفرد ورحل إليه وكان زاهداً ورعاً خاشعاً فقيهاً مفتياً محققاً تفقه بجماعة‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو محمد عبدالله بن محمد المغربي الصنهاجي‏.‏

روى عن أبي الحسن الجذامي والقاضي عياض وكان عألفا بالحديث وطرقه وبالنحو واللغة والنسب كثير الفضائل وقبره بظاهر بعلبك‏.‏

وفيها توفي قطب الأولياء الكرام شيخ المسلمين والإسلام ركن الشريعة وعلم الطريقة وموضح أسرار الحقيقة حامل راية علما للمعارف والمفاخر شيخ الشيوخ وقدوة الأولياء العارفين الأكابر أستاذ أرباب الوجود أبو محمد محيي الدين عبد ألفادر بن أبي صالح الجيلي قدس الله روحه ونور ضريحه لما تحلى - رضي الله عنه - بحلل العلوم الشرعية ونال لمائفها وتجمل بتيجان الفنون الدينية وحاز شرائفها وهجر في مهاجرته إلى الحق كل الخلائق وتزود في سفره إلى ربه عز وجل أحسن الآداب وأشرف الحقائق وعقدت له ألوية الولاية فوق العلى ذوائبها ورفعت له منازل جلي له في سماء القرب كواكبها ونظر قلبه إلى رقوم الفتح في ذيول الكشف عن الأسرار وشخص سره إلى شموس المعارف من مطالع الأنوار‏.‏

وأشهدت بصيرته عرائس الحقائق في مقاصير الغيوب وأسكنت سريرته حضرة القدس في خلوة وصل المحب بالمحبوب ورفعت أسراره إلى مشاهد المجد والكمال ودام إحضاره في معالم العز والجلال هنالك نكشف له علم السر المصون واتضح له حقيقة الحق المكنون واطلع على معاني خفايا مكامن المكنونات وشاهد مجاري القدر في تصاريف المشيئات واخترع الحكم من معادنها وأظهر التحف من مكامنها فآتاه الله الأمر النقي من تدنيس التلبيس بالجلوس للوعظ والتصدر للتدريس‏.‏

وكان أول جلوسه للوعظ في الحلبة النورانية في شوال سنة إحدى وعشرين وخمس مائة فجلس مجلما لله درة من مجلس تجلله الهيبة والبهاء وتحف به الملائكة والأولياء فقام بنص الكتاب والسنة خطيباً على الأشهاد ودعا الخلق إلى الله تعالى فأسرعوا إلى الانقياد فيا له من داع أجابته أرواح المشتاقين ومن مناد لبته قلوب العارفين ومن حاد هيم ركائب النفوس في فلوات الشوق إلى رؤية الجمال ومن هاد ساق نجائب القلوب إلى حمى الوصال ومن ساق روى عطاش العقول من شراب القدس وشوقها إلى منادمة الحبيب على بساط الأنس وكشف براقع اللبس عن وجوه المعارف ورفع أغطية الغين عن عين شرائف اللمائف وهز أعطاف القلوب بوصف جمال القدم وأرقص أشباح الأرواح بسماع نعت كمال الكرم - وناغي أطيار الأسرار في صوامع قدسها بألفان لذيذ أنسها فطارت من أركان أطورها في حبها إلى أنوار أنوار هامع جنسها وجلى عرائس المواعظ فدهثى لبهجة حسنها العشاق وزف مخدرات المواهب فصبا لمعنى جمالها كل مشتاق ونطق بنفائس الحكم من رياض أنس أينعت مروجها وأبرز جواهر التوحيد من بحار علوم تلاطمت أمواجها يرى من معانيها درراً وياقوتاً ويجد من درها دواء ومن ياقوتها قوتاً ودبج روض الحقائق بحدائق ذات بهجة فيا لها للمالكين إلى الله محجة وحجة وبث لآلىء الفتح على بساط الإفهام فتسابق لالتقاطها أولو الألفاب والأقلام فتنضدت منها فوائد هدى في أعناق ذوي الهمم العلية يصل المتحلي بها بإذن الله تعالى إلى مقامات السنية فجال في النفوس مجال الإنفاس في الصدور وعبق بالقلوب عبق إلىوض الممطور وأبرأ النفوس من أسقامها وشفى الخواطر من أوهامها فما سمعه إلا من أوضح بالتوبة دجونه أو من اكتحل بالبكاء جفونه فكم رد إلى الله عاصياً وكم ثبت الله به واهياً وكم أصحى من خمر الهوى سكارى وكم فك من قيود الناس أسارى وكم اصطفى الله به أوتاداً وأبدالاً وكم وهب الله به مقاماً وحالاً وما زالت نجائب المواهب ترحل إليه‏.‏

رحمة الله تبارك وتعالى عليه‏:‏ عبد له فوق المعالي رتبة وله المماجد والفخار الأفخر وله الحقائق والطرائق في الهدى وله المعارف كالكواكب تزهر وله الفضائل والمكارم والندى وله المناقب في المحافل تنشر وله التقدم والتعالي في العلى وله المراتب في النهاية تكبر قطع العلوم مع العقول فأصبحت أطوارها من دونه تتحير ما في علاه مقالة لمخالف فمسائل الإجماع فيه تسطر قلت هذا ما ترجمه فيه بعضهم وهو كذلك بل فوق ذلك‏.‏

وأما ترجمة الذهبي في قوله‏:‏ والشيخ عبد ألفادر بن أبي صالح الزاهد‏:‏ فمدحه بصفة الزهد التي هي من أوائل منازل ألفالكين المبتدئين من المريدين وقول‏:‏ انتهى إليه التقدم في الوعظ والكلام على الخواطر فغض من منصبه ألفالي وقدح لا مدح فيما له من المفاخر والمعالي‏.‏

فمن مدح ألفادات أهل نهاية وسامي مقامات بأوصاف مبتدي فقد ذمهم فيما به ظن مدحهم وكم معتد فيها بزعمه مهتدي وهو ألفائل - رضي الله تعالى عنه - منطقاً بالهدى والمعارف والحكم‏.‏

لا بالهوى والخرافات والخطوط التي تذمم‏:‏ ما في الصبابة منهل مستعذب إلا ولي فيه الألذ الأطيب أو في الوصال مكانة مخصوصة إلا ومنزلتي أعز وأقرب وهبت لي الأيام رونق صفوها فحلت مناهلها وطاب المشرب وغدوت مخطوباً بالكل كريمة لا يهتدي فيها اللبيب ويخطب قوم لهم في كل مجد رتبة علوية وبكل جيش موكب أنا بلبل الأفراح أملىء دوحها طرباً وفي العلماء باز أشهب أضحت جيوش الحب تحت مشيئتي طوعاً ومهما رمته لا يعزب أصبحت لا أملاً ولا أمنية أرجو ولا موعودة أترقب ما زلت أرتع في ميادين إلىضى حتى وهبت مكانة لا توهب أضحى الزمان كحلة مرقومة تزهو ونحن له - الطراز المذهب أفلت شموس الأولين وشمسنا أبداً على فلك العلى لا تغرب ذكروالشيخ عبد ألفادر بن أبي صالح الزاهد نسبه ومولده وصنعته رضي الله تعالى عنه أما نسبه رضي الله عنه فهو الشيخ محيي الدين أبو محمد عبد ألفادر بن أبي صالح موسى بن ابي عبدالله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى ابن أمير المؤمنين أبي محمد الحسن ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله تعالى عليهم - سبط أبي عبدالله الصومعي الزاهد وبه كان يعرف حين كان بجيلان‏.‏

وأما مولده رضي الله عنه‏:‏ فسئل - رضي الله تعالى عنه - عن مولده فقال‏:‏ لا أعلمه حقيقة لكني قدمت بغداد في السنة التي مات فيها التميمي وعمري إذ ذاك ثماني عشرة سنة‏.‏

قال إلىاوي‏:‏ والتميمي هذا هو أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب توفي سنة ثمانين وأربع مائة فيكون مولده رضي الله تعالى عنه سنة سبعين وأربعمائة وذكر أبو الفضل أحمد ابن صالح الجيلي أن مولد الشيخ محيي الدين المذكور سنة إحدى وسبعين وأربعمائة وأنه دخل بغداد سنة ثمان وثمانين وأربع مائة وله ثماني عشرة سنة‏.‏

قلت‏:‏ وذكر بعضهم أنه منسوب إلى جيل بكسر الجيم وسكون المثناة من تحت وهي بلاد متفرقة وراء طبرستان وبها ولد ويقال لها أيضاً جيلان وكيلان وكيل أيضاً قرية على شاطىء دجلة على مسيرة يوم من بغداد من جهة طريق واسط ويقال‏:‏ فيها أيضاً جيل - بالجيم - ومن ثم يقال‏:‏ كيل العجم وكيل العراق والجيل أيضاً قرية تحت المدائن وفي النسبة يقال‏:‏ جيلاني وكيلاني وجيلي وكيلي‏.‏وأمه رضي الله تعالى عنه أم الخير أمة الجبار‏:‏ فاطمة بنت أبي عبد الله الصومعي وكان لها حظ وافر من الخير والصلاح‏.‏والصومعي من جملة - مشايخ جيلان ورؤساء زهادهم وله الأحوال والكرامات الجلية وأخوه الشيخ أبو أحمد عبدالله - سنه دون سنه - نشأ نشوءاً صألفا في العلم والخبرة ومات بجيلان شاباً وعمته المرأة الصالحة أم محمد عائثة بنت عبد الله ذات الكرامات الظاهرة‏.‏

روي أن بلاد جيلان أجدبت مرة واستسقى أهلها فلم يسقوا فأتى المشايخ إلى دار الشيخة عائشة المذكورة وسألوها الاستسقاء لهم فقامت إلى رحبة بيتها وكنست الأرض وقالت‏:‏ يا رب أنا كنست فرش أنت‏!‏ قال‏:‏ فلم يلبثوا أن مطرت السماء كأفواه القرب فرجعوا إلى بيوتهم يخوضون في الماء‏.‏

وأما صفة الشيخ رضي الله عنه فروي أنه كان نحيف البدن ربع الشامة عريض الصدر عريض اللحية وطويلها أسمر مقرون ألفاجبين أدعج العينين ذا صوت جهوري وسمت بهي وقدر علي علم وفي - رضي الله عنه‏.‏شيء من علمه وتسمية بعض شيوخه قال بعض الأئمة المتكلمين في مناقبه‏:‏ لما علم أن طلب العلم على كل مسلم فريضة أنه شفاء للأنفس المريضة إذ هو أوضح مناهج التقوى سبيلاً‏.‏

وأبلغها حجة وأظهرها دليلاً وأرفع معارج اليقين وأعلى مدارج المتقين وأعظم مناصب الدين وأفخر مراتب المهتدين وهو المرقاة إلى مقامات القرب والمعرفة والوسيلة إلى المتولي بالحضرة المشرفة شمر عن ساق الجد والاجتهاد في تحصيله وسارع في طلب فروعه وأصوله وقصد الأشياخ الأئمة أعلام الهدى علماء الأمة فاشتغل بالقرآن العظيم حتى أتقنه وعمر بداريته سره وعلنه وتفقه بالشيوخ منهم‏:‏ أبو الوفاء علي بن عقيل وأبو الخطاب محفوظ ابن أحمد الكلوذاني وأبو الحسين محمد ابن القاضي أبي يعلى وأبو سعد المبارك بن علي المخزومي رضي الله تعالى عنهم - وأخذ عنهم مذهباً وخلافاً وفروعاً وأصولاً‏.‏

وسمع الحديث من جماعة منهم أبو غالب محمد بن الحسن ألفاقلاني وأبو سعد محمد بن عبد الكريم وأبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون وأبو بكر أحمد بن المظفر التمار وأبو محمد جعفر بن أحمد ألفاري وأبو القاسم علي بن أحمد الكرخي وأبو عثمان اسماعيل ابن محمد الأصبهاني وأبو طالب عبد ألفادر بن محمد وابن عمه أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد وأبو البركات هبة الله بن المبارك وأبو العز محمد بن المختار الهاشمي وأبو نصر محمد وأبو غالب أحمد وأبو عبدالله يحيى أبناء الإمام أبي الحسن علي بن البنا وأبو الحسين المبارك بن عبد الجبار وأبو منصور عبد الرحمن بن أبي غالب وأبو البركات طلحة بن أحمد ألفاقولي وغيرهم - رحمة الله عليهم‏.‏

وقرأ الأدب على أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي وصحب الشيخ ألفارف بالله قدوة المحققين وإمام ألفالكين وحجة العارفين أبا الخير حماد بن مسلم الدباس وأخذ عنه علم الطريقة وتأدب به وأخذ الخرقة الشريفة من يد القاضي أبي سعد المخرمي ولقي الجماعة من أعيان شيوخ الزمان وأكابر المشايخ أولي العرفان‏.‏

أكرم بهم مجداً وسودداً وشرفاً وفخراً مؤبداً‏.‏

فهم حماة ملة الإسلام وذوادها وأنصار الشريعة وأعضادها وأعلام الدين وأركانه وسيوف الحق وسنانه‏.‏

فقام - رضي الله تعالى عنه في أخذ العلوم الشرعية عنهم دائباً وفي تلقي الفنون الدينية منهم واصباً‏.‏

حتى فاق أهل زمانه‏.‏

وتميز من بين أقرانه‏.‏

ثم إن الله تعالى أظهره للخلق وأوقع له القبول العظيم الشام عند ألفاص منهم والشام والهيبة والجلالة الوافرة والمناقب الشريفة ألفاخرة عند العلماء وأظهر الله الحكم من قلبه على لمانه وظهرت علامات قربه من الله تعالى وإمارات - ولايته وشواهد تخصيصه مع قدم راسخ في المجاهدة والعبادة وتجرد خالص من دواعي الهوى وشوائب إلىكون إلى ألفادة ومقاطعة دائمة بجميع الخلائق وصبر جميل في طلب مولاة بقطع العلائق وتجرع الغصص على مر الشدائد والبلوى ورفض كلي لجميع الأشغال اشتغالاً بالمولى‏.‏

ثم لما أراد الله به نفع الخلائق بعدما تضلع من العلوم الظاهرة وأسرار الحقائق أضيف إلى مدرسة أستاذه أبي سعد المخرمي مما حولها من المنازل والأمكنة ما يزيد على مثلها وبذل الأغنياء في عمارتها أعمالهم وعمل الفقراء فيها بأنفسهم فتكملت المدرسة المنسوبة إليه الآن وكان الفراغ منها في سنة ثمان وعشرين وخمس مائة وتصدر فيها للتدريس والوعظ والفتوى وجلس بها للوعظ وقصد بالزيارات والنذور واجتمع عنده بها من العلماء والفقهاء والصلحاء جماعة كثيرون انتفعوا بكلامه وصحبته ومجالسته وخدمته وقصد إليه طلبة العلم من الآفاق فحملوا عنه وسمعوا منه وانتهت إليه تربية المريدين بالعراق وولي خزانة الأسرار وأوتي مقاليد الحقائق وسلمت إليه أزمة المعارف وصرف في الوجود المغارب منه والمشارق فأصبح قطب الوقت مرجوعاً إليه حكماً وعلماً وقام بالنظر والفتيا نقضاً وبرماً وبرهن على العلم فرعاً وأصلاً وبين الحكم عقلاً ونقلاً وانتصر للحق قولاً وفعلاً‏.‏وصنف كتباً مفيدة وأملأ فوائد فريدة فتحدث بذكره إلىفاق وسارت بفضله إلىكبان وانتشرت أخباره في الآفاق وأعملت المطي إليه ومدت إليه الأعناق وتنزهت في حدائق محاسنه الأعين ونطقت ببدائع أوصافه الألسن ولقب بإمام الفريقين وموضح الطريقين وكريم الجدين ومعلم الطرفين مشتملاً برداء المفاخر والفضائل صادقاً فيه قول ألفائل‏:‏ بمقدمه انهل السحاب وأعشب ال عراق وزال الغي واتضح إلىشد فعيدانه رند وصحراؤه حمى وحصاؤه در وأمواجه شهد يميس به صدر العراق صبابة وفي قلب نجد من محاسنه وجد وفي الشرق برق من مقابس نوره وفي الغرب من ذكرى جلالته رعد فأضحى الزمان مشرقة به مناكبه والدين مشرفة به مناصبه والعلم عالية به مراتبه والشرع منصورة به كتائبه فانتمى إليه جمع عظيم من العلماء وتلمذ له خلق كثير من الفقهاء حذفت ذكرهم اختصاراً لكثرة عددهم ومشقة ذكرهم‏.‏

وكذلك لبس الخرقة منه خلائق لا يحصون - من الفقراء والمشايخ الكبراء والعلماء الخبراء وقد ذكرت في كتاب‏:‏ خلاصة المفاخر في أخبار مناقب الشيخ عبد ألفادر وفي كتاب‏:‏ نشر المحاسن ألفالية في فضل المشايخ أولي المقامات ألفالية وغيرهما أن جمهور شيوخ اليمن يرجعون في لبس الخرقة إليه بعضهم لبسها من يده لما قدمت أعلام فضائله عليهم والأكثرون من رسول أرسله إليهم‏.‏

وفيه وفي ألفاس الخرقة وانتساب معظم شيوخ اليمن في لبسها إليه‏.‏

قلت في بعض القصيدات العشرة الأولة من هذه الأبيات‏:‏ وفي منهج الأشياخ ألفاس خرقة لهم سنة أصل روى ذاك عن أصل ولبس اليمانيين يرجع غألفا إلى سيد سامي فخار على الكل إمام الورى قطب الملا قائلاً على رقاب جميع الأولما قدمي أعلى فطأطأ له كل بشرق ومغرب رقاباً سوى فرد فعوقب بالعزل مليك له التصريف في الكون نافذ بشرق وغرب الأرض والوعر والسهل سراج الدجى شمس على فلك العلى بجيلان مبدؤها طلوعاً بلا أفل طراز جمال مذهب فوق حلة غد الكون فيها الدهر يختال ذا رفل يتيمة در زان عقد ولأنه يهيج على جيد الوجود به مجلي قفا هاهنا في رأس نهر عيونهم ملاها ومن بحر النبوة مستملي وسبحانك اللهم رباً مقدساً وواسع فضل للورى فضله مولي وأما كراماته رضي الله عنه فخارجة عن الحصر وقد ذكرت شيئاً منها في كتاب نشر المحاسن وقد أخبرني من أدركت من أعلام الأئمة الأكابر أن كراماته تواترت أو قريب من التواتر‏.‏ومعلوم بالاتفاق أنه لم يظهر ظهور كراماته لغيره من شيوخ الآفاق‏.‏

وها أنا أقتصر في هذا الكتاب على واحدة منها وهي ما روى الشيخ الإمام الفقيه العالم المقرىء أبو الحسن علي بن يوسف بن جرير بن معضاد الشافعي اللخمي في مناقب الشيخ عبد ألفادر بسنده من خمس طرق وعن جماعة من الشيوخ الجلة أعلام الهدى العارفين المقنتين للاقتداء قالوا‏:‏ جاءت امرأة بولدها إلى الشيخ عبد ألفادر فقالت له‏:‏ يا سيدي إني رأيت قلب ابني هذا شديد التعلق بك وقد خرجت عن حقي فيه لله عز وجل ولك‏.‏

فقبله الشيخ وأمره بالمجاهدة وسلوك الطريق فدخلت أمه عليه يوماً فوجدته نحيلاً مصفراًمن آثار الجوع والسهر ووجدته يأكل قرصاً من الشعير فدخلت إلى الشيخ فوجدت بين يديه إناء فيه عظام دجاجة مسلوقة قد أكلها فقالت‏:‏ يا سيدي تأكل لحم دجاج ويأكل ابني خبز الشعير‏!‏‏!‏ فوضع يده على تلك العظام وقال‏:‏ قومي بإذن الله تعالى الذي يحيي العظام وهي رميم فقامت دجاجة سوية وصاحت‏.‏

فقال الشيخ‏:‏ إذا صار ابنك هكذا فلماكل ما شاء‏.‏

وأما كلامه رضي الله عنه فكثير جداً في انواع شتى لا تسعه إلا مجلمات ودفاتر وقد ذكرت شيئاً منه في كتاب‏:‏ نشر المحاسن وخلاصة المفاخر‏.‏

وها أنا أذكر منه ألفاظاً مختصرة في الشريعة المطهرة‏.‏

قال رضي الله تعالى عنه‏:‏ الإيمان طائر غيبي ينزل من أفق يختص برحمته من يشاء فيسقط على شجرة قلب العبد يترنم بلذيذ لحون يبشرهم ربهم يطير من قفص صدر صاحبه إلى مقعد صدق الشريعة المحمدية - ثمرة شجرة الوجود -‏.‏

الملة الإسلامية شمس أضاءت بنورها ظلمة الكون إتباع شرعه يعطي سعادة ألفارين‏.‏

في قلب صاحب الشرع الأعظم ودائع بدائع الحكم‏.‏

في أسرار صاحب الناموس الأكبر خزائن جواهر الغيب اجعل قبول أمره طريقك إلى الله تعالى صير كعبة عقلك مهبط أملاك كلمات أحكامه‏.‏

من ماء غمام أقواله تشرب عطاش الأرواح‏.‏

في عيون حياة ألفاظه يغتسل خطر العقول‏.‏

نادى منادي الطلب للأرواح الشامنة في القوالب آثار ساكن عزمها إلى العلى طارت بأجنحة الغرام في فضاء المحبة وقعت بعد التعب على أغصان الشوق تناغت في شجرة بلابلها بمطربات ألفان الحنين إلى جمال وأشهدهم وأزعجها هبوب نسيم الغرام إلى إعادة لذاذة ألست خرجت بعض تلك الطيور من أقفاص الصدور ويتلمح أثراً من مطارها القديم تنشق نسمة من مهب التكليم تتذكر عيشها في ظل أثل الوص تشكو جواها بعد بعاد الأحباب فسمعت داعي الله تعالى بلمان إنسان عين الوجود انتقش دعاؤه - صلى الله عليه وآله وسلم - في صفحات ألواح الأرواح صارت دعوته ريحاً تهز أغصان أشجار القلوب أضطربت فرسان العقول في ميادين الصور غراماً بما سمعت اهتزت الألفاب بأيدي الوجد طرباً بذلك الوجد صار عشقها له سراً من اسرار القدم وأصبح ولههاً به لطيفة من لمائف القدر إذا أشرقت على النفوس الخربة أنوار الغيب حفظت الأسرار وارتفعت الحجب الظاهرة عن عيون بصائرها لاحظت جمال صاحب الكون مشاهدته بصفاء مرايا الأسرار كعبة كل عارف موضع نظرات الحق منه أقرب الطرق إلى إلله تعالى لزوم قانون العبودية والاستمساك بعروة الشريعة الإسلامية والاستقامة على جادة التقوى‏.‏

أنسك بالله على قدر وحشتك عن غيره ثقتك به على قدر معرفتك له الكدر في الأعمال نوع من الحرمان‏.‏

الانغماس في طلب الدنيا يثني العقل عن طلب الله عز وجل الرياء في المطالب كسوف في شموس طلب ألفالب والنفاق في المقاصد خدش في وجوه قصد ألفاصد عدم المطلوب عذاب القلوب فرقة الأحباب عذاب العقول علائق زهرة الدنيا حجاب يمنع من الوصول إلى ملكوت العلى إقبالك على الله تعالى بوجه عبادتك سبب إقبالك عليه بوجه إلىحمة لو بلغ طفل عقلك الأسد في حجر ألفاديب ما التفت إلى الدنيا لكن هو بعد في مهد شغلتنا أموالنا وأهلونا الأرواح القاهرة قناديل هياكل الأجساد العقول الصافية ملوك قصور الصور‏.‏

يا غلام افتح عين قلبك لتلقى عرائس أسرار الأزل وانتشق بمشم روحك هبوب نسيم لمائف القدر إن الله تعالى وضع تماثيل الوجود على ساحل بحر الدنيا لامتحان عيون أهل البصيرة وسلم من الالتفات إلى زخرفها أطفال أرواح أقيمت في مقصورة الثبات وربيت في حجور العصمة وأرخيت عليها أكناف آيات الأمر وكوشفت بلمائف محبات القدر وجليت عليها عرائس الغيب‏.‏

وقال رضي الله تعالى عنه‏:‏ حليت عروس آدم في خلع إن الله اصطفى وسجدت الملائكة لسطوع نور ‏"‏ ونفخت فيه من روحي ‏"‏ - الحجر - وسمع موسى فوق روضة الطور بلبلاً يترنم بلذيذ لحن‏:‏ إني أنا الله‏.‏وانس ساقياً يفرغ شراب القدم في كؤوس أنا اخترتك أشتاق إلى رؤية ألفاقي هزت أعطافه نشوات سكره وكتب بيده شدة توقه في طرس عشقه حروفاً أرني فانقلب القلم في يده فقال‏:‏ لن تراني‏.‏

قيل له عند انقضاء دولته‏:‏ يا موسى سلم بقلم إلىسالة لصاحب‏:‏ ‏"‏ ويكلم الناس في المهد ‏"‏ - آل عمران - واعطه الدواة ليكتب في كتب توحيدي‏:‏ إني عبد الله‏.‏وتنقش في صحف رسالته سطور‏:‏ ‏"‏ ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ‏"‏ - الصف -‏.‏

وقال رضي الله تعالى عنه‏:‏ طارت نحل الأرواح قبل وجود الأشباح من كورات كن في فضاء مروض التوحيد ليرعى من زهر أشجار الأنس ويأكل من ثمار أغصان المعرفة ويتخذ بيوتاً في مواطن القدس فوق قمم جبال العز ويسلك سبيل الدنو إلى ربها في حضرة العلو في مقام قربها ويجني ثمرات الحضور بأيدي الهمم ألفالية فاصطادها صياد القدر بشباك التكليف وحصرها بيد الأمر في أقفاص الأشباح فألهتها من الهياكل بهجة حسن الصفة وألفت مساكن البشرية فنسيت موطناً من القدس الأشرف فأوحى ربك إلى نحل الأرواح أن اسلكي سبل ربك ذللاً في مسالك الأشباح وكلي من كل ثمرات الشريعة وارعي من أزهار أنوار الحقيقة‏.‏

فلما طار طائرها ليرعى حب الحب من حدائق المجاهدة وقع في شرك المحبة ورأى ماء البلاء في غدير الولاء فقال‏:‏ كيف الخلاص روض أنيق لكن ثمره مر ومنهل عذب لكن فيه كم من غريق فناداها حادي مطايا صدق الطلب بلمان النصح‏:‏ يا أرباب الوله في حب معشوق الأرواح‏!‏ ويا أصحاب الحرق في غاية أماني العارفين‏!‏ ما بينكم وبين مطلوبكم سوى ارتفاع استار الصور ولا يحجبكم عنه إلا حجب الهياكل فطيروا إليه بأجنحة الغرام واطلبوا عنده الحياة الأبدية وموتوا عن شهوات إرادتكم ليحييكم به عنده في مقعد صدق‏.‏وقال رضي الله تعالى عنه‏:‏ سرير الأسرار لا ينصب إلا في سرادق حق اليقين وحق اليقين نقطة دائرة التوحيد والتوحيد قاعدة بناء الوجود الهوية الأحدية مغناطيس حديد قلوب العارفين وإلىوضة الأبدية مراتع أسرار المكاشفين كاشف الأرواح ليلة ألست بأسرار قدمه الاطف العقول في مقام وإذ أخذ بالألفاف تقرير عهده باسط الخواطر في حضرة السرمدية بمباسطة وأشهدهم بقرب إلى الأسرار في جناب الأزل بمخاطبة ألست سقاهم كأس حبه بأيدي سقاة قربه خرجوا إلى الدنيا وفي رؤوسهم نشوات ذلك الخمار وفي عيون عقولهم بقايا رسوم ذلك الجمال وفي أحداق قلوبهم يرفاه ذلك الجناب‏.‏

واحرقتاه عليكم‏!‏‏!‏ كيف تموتون وما عرفتم - ربكم‏!‏‏!‏ الشجاعة صبر ساعة يا عجمي الفطنة سافروا إلى بلاد العرب يا موتي الطبيعة سافروا إلى بلاد هند الهداية‏.‏

سقى بعض العارفين من هذا الشراب قطرة وأفرغ ساقي القدر له منه بقية فقامت روحه ترقص طرباً بين ندمأنه قرأ لمان حال موسى وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً‏.‏

قال المخبر عن صدق طلبه‏:‏ ‏"‏ وخر موسى صعقاً ‏"‏ - الأعراف 143 - قيل‏:‏ يا موسى معدة طبعك ضعيفة عن تناول شراب تجلي أنيق عينك ضيق عن مقابلة أنوار سبحات ‏"‏ ارني أنظر إليك ‏"‏ - الأعراف 143 - عين الحدث لا تنفتح في شعاع شمس القدم ورد النظر ما يطلع في شجر كانون هذا الكون أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا خلعة النظر في الدنيا مدخرة في خزائن الغيب لصاحب ‏"‏ قاب قوسين ‏"‏ - النجم - هذا الشرف لا يناله من الخلائق سوى سيد ولد آدم ويتيمة عقد البشر‏:‏ ‏"‏ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ‏"‏ - الأنعام 152 -‏.‏

قال إلىواة عنه‏:‏ وأول كلام تكلم به على الناس على الكرسي - رضي الله تعالى عنه قوله‏:‏ أغواص الفكر يغوص في بحر القلب على درر المعارف فيستخرجها إلى ساحل الصدر فينادي عليها سمسار ترجمان اللمان فتشتري بنفائس أثمان حسن الساعة ‏"‏ في بيوت أذن الله أن ترفع ‏"‏ - النور -‏.‏

قلت‏:‏ فهذا ما أثرت الاقتصار على ذكره للاختصار من كلامه الجليل المقدار المشتمل على الحكم والمعارف والأسرار‏.‏

وقد أشرت في بعض هذه الأبيات المختصرة إلى محاسن كلامه المشتهرة المنسوجة في الأسلوب الغريب الذي لم ينسج غيره على منواله العجيب‏:‏ أيا مادحاً نسجاً وشاه ابن جوزي حلاه بأسلوب بعنيك فاخر كأنك لم تنظر نسيج معارف وأسرار زاهي حكمة وسرائر بأطرف أسلوب وأطرف حلة وأشرف نسج باهج - الحسن زاهر لدى حضرة ألفاه أشرف صانع وأعرف أستاذ دعي عبد قادر به شرف الأكوان قطب زمانه رداء مجده فيه طراز المفاخر له قدم تسمو تعالى فخارها لها خضعت طوعاً رقاب الأكابر وما نسج فتح من نفيس مواهب كنسج طباع من قريحة خاطر وأين الثريا في علاها من الثرى وبل الندى في الفضل من وبل ماطر فما طائر تلقيه للماز صائداً وللماز تلقى صائداً كل طائر وأين بعيد ألفار من ساكن الحمى نديم هوى في حضرة القدس حاضر تسقى من إلىاح التي لم ريحها يرح ذاك فضلاً عن شراب تداير شريف معلى بل مولى على الورى وتصريفه قد عمهم غير قاصر له في الوجود ألفاه والحكم نافذ خفير الورى في عصره غير خافر لقد خفر الأكوان شرقاً ومغرباً وما في ضياء أخفرن أو دياجر له الجن والأملاك والأنس كلهم يخافون لا شخص يرى غير حاذر به اسأل فإن ألفيت قولي مصدقاً وإلا أكذبن للمافعي في المحاضر على روحه رضوان ربي مقدساً مدى الدهر زاكي النشر من غير آخر وختمي لها حمدي لربي مصلما على المصطفى من قبل خلق العناصر محمد الشامي على ذروة العلى غياث الورى عند الدواهي الذواعر قلت‏:‏ وأما اعتقاده فقد أخبرني - والله - من لا أشك في صدقه من أصحاب شيخ عصره وفريد من شذوذ الشيخ عبد ألفادر المذكور في اعتقاده عن موافقة الجمهور من المشايخ العارفين والعلماء المحققين في مسألة الجهة المعروفة‏.‏

قلت‏:‏ ومثل الشيخ نجم الدين المذكور إذا أخبر فعلى الخبير سقط المخبر إذ هو من أهل الاطلاع ظاهراً وباطناً‏.‏

أما ألفاطن فلأنه من أهل النور والكشف وأما الظاهر فلقرب ألفار إذ كان العراق لهما موطناً فهو الجامع - بين المعرفتين جميعاً مرتقياً في الولاية مقاماً عزيزاً رفيعاً‏.‏

ومما يؤيد ذلك ويدل على عدم اعتقاده الجهة والمكان في حال النهاية والعرفان كلامه المشهور عنه في مناقبه الثابتة برواية الرجال ألفائعة في البلمان ومن ذلك قوله المشتمل على يواقيت الحكم وابتهاج النور وهو هذا النسيج العجيب والأسلوب الغريب والدر المنثور‏.‏

قال رضي الله تعالى عنه‏:‏ نودي في معاقل الأفاق وفجاج الأكوان ومعالم المصنوعات أن سلمان الصفات القديمة وملك النعوت العظيمة يريد أن يمر على مسالك المعالم ويبدو في مشاهد الشواهد فحدقوا عقولكم وصفوا سرائركم وقيدوا أفكاركم وغضوا أبصاركم واحصروا بلاغتكم وكفوا مناطقكم والسنتكم‏.‏

فبرز من جناب العزة سنا بارق مجلل بالهيبة مظلل بالعظمة متوج بالجلال مكلل بالكمال أخذ بنواصي الأنوار قاهراً لمعاني الأسرار فتجلى في حلل لطفه وتلطفه ودنا بتقربه وتعرفه له مطالع ومشارق ولوائح وبوارق وشواهد ومناطق ومعارف وحقائق وعوارف ومناشق تجلو مطالعة ‏"‏ الرحمن على العرش استوى ‏"‏ - طه - ويسفر مشارقه ‏"‏ وسع كرسيه السماوات والأرض ‏"‏ - البقرة 5 - ويوضح لوامحه ‏"‏ يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ‏"‏ - المائدة - ويكشف بوارقه ‏"‏ وهو معكم أين ما كنتم ‏"‏ - الحديد - ويبدي شواهده ‏"‏ والسماوات مطويات بيمينه ‏"‏ - الزمر - ويفصح مناطقه ‏"‏ والله من ورائهم محيط ‏"‏ - البروج - وينادي معارفه ‏"‏ وهو السميع البصير ‏"‏ - الشورى - ويطق حقائقه ‏"‏ ليس كمثله شيء ‏"‏ - الشورى - ويشهد عوارفه ‏"‏ لا تدركه الأبصار ‏"‏ - الانعام 103 - وتتأرج مناشقة ‏"‏ قل الله ثم ذرهم ‏"‏ وظهرت معه بدائع القدم في أحسن صورة من بهجة الكمال ألفارز من حريم العز عليها من ملابس الجمال غرائب العجائب فطاف بها طائف من ربك في طرائق المكنونات ومصنوعات المصنوعات ومكنونات ألفائنات فوقع الكل في مهاوي الهيبة وتاهوا في مهامه الدهشة وإذا الندا من حضرة القدس ‏"‏ ألست بربكم ‏"‏ فقالوا بلمان الذل والخضوع في مقام التوحيد والإقرار بوحدانية إلهيته‏:‏ بلى وأشهدهم على أنفسهم لقيام الحجة يوم تشهد عليهم ألسنتهم فيتبع الخلائق ذلك ألفارق وسلكوا نحوه طرائق فاقتفى قوم ولم يستضيئوا هى من علم ولا إثارة بل حكموا العقول ومقاييسها‏.‏

فاتبعوا الأهوية وأباليسها‏.‏

فمنهم طائفة ضلوا في تيه التمويه ووقعوا في التجسيم والتشبيه الذين أهلكهم الشقاء حين ابتلى أخيارهم وأولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم‏.‏

ومنهم فرقة - حاروا في أضاليل التعطيل‏.‏

ومنهم عصابة هلكوا ابأباطيل الحلول وأغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً‏.‏

ومبادىء التوحيد والتنزيه تنادي في صفحات الوجود أن سلمان الصفات القديمة وملك النعوت العظيمة إلى الآن في مقر العز والجلال ومظل القدرة والكمال‏.‏

ما انتقل إلى مكان لم يتغير عما عليه كان‏.‏

يحتجب بجلال عزته في معالي كبريأنه وعظمته فوجم العرش من خوف البطش إذ جعل محلاً للافتراء ومجالاً للامتراء وصاح بلمان إلىهبة من البعد‏:‏ يا أرباب الغيبة عن إلىشد إني منذ خلقت في دهشة الوله ووحشة التحير لمع لي من جناب الأزل بارق ‏"‏ الرحمن على العرش استوى ‏"‏ - طه - فلما صوبت نظري إلى نفسي وقع حده على جرم السماء فانطبع فيه‏:‏ ‏"‏ ثم استوى إلى السماء ‏"‏ - البقرة - فهبت فيها نظري وشخص إليها بصري وطمحت إشراقات أنواره إلى عالم الثرى فانتقش في طي مكنوناته مكتوب ‏"‏ واسجد واقترب ‏"‏ - العلق - فأتى رهين غريتي وقرين زفرتي لا أسمع غير الأخبار ولا أشهد غير الآثار وأتبع قوم سبيل إلىشاد في إشراق أنواره‏.‏

ونصبو الشرع أمامهم وأخذوا الحق إمامهم واقتدوا بعساكر التوفيق جنداً جنداً وسبقت إليهم ركائب ألفاييد وفداً وفداً وشموس الهداية تسري معهم وعيون العناية ترعى مرتعهم وتجمعهم فأوصلهم الصدق في اتباع الحق إلى مسالك التوحيد ومعارف التمجيد وعلت بهم إلىتب إلى مقام القرب وسقوط الكيف والتشبيه والحدود ووجوب التنزيه والإجلال لواجب الوجود‏.‏

قلت‏:‏ فهذا بعض كلامه في ذلك محتوياً على التوحيد والتنزيه ومصرحاً بنفي التجسيم والتشبيه مفصحاً بكون الحق تعالى لم ينتقل إلى مكان ولم يتغيرعما عليه كان جامعاً بين فصاحة العبارة وملاحة الاستعارة وكذلك قوله في المشاهدة‏:‏ لا بد في الشهود من سقوط مشهودين ونفى تعلق الحط بالحيز والوقت والأين ومحو ثبوت الفيق والجمع والقرب والبين‏.‏

وقد ذكرت في كتاب نشر المحاسن‏.‏

شيئاً من كلامه في الاعتقاد والأسرار وعلم ألفاطن‏.‏ومن كلامه أيضاً المروي عنه في مناقبه لما قيل له أن فلاناً - وسموا له بعض مريديه - يقول إنه يرى الله عز وجل بعيني رأسه فاستدعى به وسأله عن ذلك فقال‏:‏ نعم فانتهره ونهاه عن هذا القول وأخذ عليه أن لا يعود إليه فقيل له‏:‏ أمحق هذا - أم مبطل قال‏:‏ هو محق ملبس عليه وذلك أنه شهد ببصيرته نور الجمال ثم خرق من بصيرته إلى بصره منفذاً فرأى بصره ببصيرته يتصلى شعاعها بنور شهوده فظن أن بصره رأى ما شهدته بصيرته وإنما رأى بصره ببصيرته فحسب وهو لا يدري‏.‏قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ‏"‏ - الرحمن - وان الله يبعث بمشيئته على أيدي ألفافه أنوار جلاله وجماله إلى قلوب عباده فتأخذ منها ما يأخذ المصور من الصور ولا ضرر ومن وراء ذلك رداء كبريأنه الذي لا سبيل إلى انخراقه‏.‏

قال إلىاوي‏:‏ وكان جمع من المشايخ والعلماء حاضرين هذه الواقعة فأطربهم سماع هذا الكلام ودهشوا من حسن إفصاحه عن حال إلىجل وقام بعضهم ومزق ثيابه وخرج إلى الصحراء عرياناً يعني هائماً‏.‏

قلت‏:‏ وقوله‏:‏ ومن وراء ذلك رداء الكبرياء الذي لا سبيل إلى انخراقه - نحو مما أشار إليه الشيخ الكبير ألفارف بالله السيد الجليل شيخ الشيوخ أبو الغيث ابن جميل - قدس الله روحه - بقوله‏:‏ كل خيال نقاب لوجه الأمر العزيزي والأمر العزيزي نقاب لجلال جمال سبحات وجه الله الكريم فرضاً لئلا يبرز من ذلك الجلال ذرة فلا يبقى أحد من الثقلين ولا من سواهما لا يعرف لله طاعة ولا عصياناً‏.‏

قلت‏:‏ قوله‏:‏ لا يعرف لله طاعة ولا عصياناً‏:‏ يظهر فيه لي احتمالان الاحتمال الأول‏:‏ الإشارة إلى الفناء الكلي واصطلام الحس والمحسوس وفقدان وجدان جميع الوجود لاستيلاء سلمان جلال الجمال في حالة الشهود فلا يشعر حينئذ بطاعة ولا معصية ولا مطيع ولا عاصي‏.‏

والاحتمال الثاني‏:‏ أن يشهد القدر سابقاً المقدور بسوط - القضاء المبرم وقائداً له إلى العلم ألفابق بزمام الحكم المحكم وصار مزعجاً بالخروج إلى حيز الوجود من حيز العدم واقعاً - لا محالة - بقدرة الملك ألفادر وإيجاد خالق كل شيء العزيز ألفاهر المهروب منه إليه المستعاذ به منه جل وعلا وتبارك وتعالى‏.‏

قلت‏:‏ فهذا ما اقتصرت عليه من ترجمة قطب الأولياء الأكابر المتوج بتاج الشرف والمفاخر شيخ الوجود ومطلع السعود محيي الدين عبد ألفادر الذي لا تسع ترجمة محاسنه إلا مجلمات على هذه النبذة اليسيرة في نحو تصنيف كراسة صغيرة وقد اقتصر الذهبي منهاعلى نحو سبعة أسطرحقيرة‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الإمام الحافظ تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن محمد ابن منصور المروزي محدث المشرق صاحب التصانيف الكثيرة وإلىحلة الواسعة‏.‏

سمع بنيساور وهراة وبغداد وأصبهان ودمشق وله معجم شيوخه في عشر مجلمات‏.‏

كان ثقة مكثراً واسع العلم كثير الفضائل ظريفاً لطيفاً نبيلاً متجملاً شريفاً‏.‏وفي السنة المذكورة توفي القاضي الرشيد أبو الحسين أحمد ابن القاضي الرشيد أبي الحسن علي الغساني الأسواني‏.‏كان من أهل الفضل والنباهة وإلىئاسة صنف كتاب جنان الجنان ورياض الأذهان وذكر فيه جماعة من مشاهير الفضلاء وله ديوان شعر ولأخيه القاضي المهذب ديوان شعر أيضاً وكانا مجيدين في نظمهما ونثرهما ومن نظم القاضي المهذب قوله في قصيدة‏:‏ وترى المجرة والنجوم كأنما تسقي الرياض بجدول ملآن لو لم يكن نهراً لما عامت به أبداً نجوم الحوت والسرطان وذكر العماد ألفاتب في كتاب السيل على الذيل الذي ذيل به على الخريدة أنه كان أشعر من أخيه الرشيد والرشيد أعلم منه في سائر العلوم‏.‏

قلت‏:‏ ويشبه أن يكون نسبة هذين الأخوين الشريفين‏:‏ إلىضي والمرتضى فإن إلىضي كان أشعر والمرتضى كان أعلم‏.‏

وولي الرشيد المذكور النظر في ثغر الاسكندرية بغير اختياره وقتله الوزير شاور ظلماً وكان أوحد عصره في علم الهندسة والرياضيات والعلوم الشرعيات والآداب والشعريات‏.‏

وقال العماد‏:‏ أنشدني محمد بن موسى اليمني ببغداد قال‏:‏ أنشدني القاضي الرشيد باليمن لنفسه في رجل‏:‏ لئن خاب ظني في رجائك بعدما ظننت فإني قد ظفرت بمنصفر فإنك قد كلفتني محل منة ملكت بها شكري لدى كل موقف لأنك قد حذرتني كل صاحب وأعلمتني أن ليس في الأرض من يفي وله أيضاً مما نقله عنه العماد المذكور‏.‏

إذا ما نبت بالحر دار يودها ولم يرتحل عنها فليس بذي حزم وهبه بها صباً ألم يدر أنه سيزعجه منها الحمام على رغم وله أيضاً مما أنشده عنه أمير أبو الفوارس مرهف بن أسامة‏:‏ جلت علي إلىزايا بل جلت هممي وهل يضر جلاء الصارم الذكر غيري بغيره عن حسن شيمته صرف الزمان وما يأتي من الغير لا تغررن بأطماري وقيمتها فإنما هي أصداف على درر ولا تظن خفاء النجم من صغر فالذنب في ذاك محمول على البصر وهذا البيت الأخير مأخوذ من قول أبي العلاء المعري حيث قال فى قصيدة له طويلة‏:‏

والنجم تستصغر الأبصار رؤيته ** والذنب للطرف لا للنجم فى الصغر

وكان الرشيد قد سافر إلى اليمن رسولاً ومدح جماعة من ملوكها‏.‏

وممن مدحه منهم علي بن حاتم الهمداني قال فيه‏:‏ لئن أجدبت أرض الصعيد وأقحطوا فلست أبالي القحط في أرض قحطان ومذ كفلت لي مأرب بمأربي فلست على آسوان يوماً بأسوان وإن جهلت حقي زعانف خندف فقد عرفت فضلي غطارف همدان فحسده ألفاعي وهو في مذهب الإسماعيلية الذي يدعو الخلق إلى متابعة الإمام المعصوم على زعمهم في عدن على ذلك فكتب بالأبيات إلى صاحب مصر فكانت سبب الغضب عليه فأمسكه وأنفذه إليهم مقيداً مجرداً وأخذ جميع موجوده فأقام باليمن مدة ثم رجع إلى مصر فقتله شاور كما تقدم وقوله‏:‏ وإن جهلت حقي زعانف خندف فقد عرقت فضلي غطارف همدان يحتاج إلى تفسير لمن ليس باللغة خبيراً أما الزعانف فهي بالزاي ثم العين المهملة وبين الألف والماء نون - وهي اطراف الأديم وأكارعه وأما خندف وهي بكسر الماء المعجمة وقبل ألفال المهملة نون ساكنة وهي قبيلة تنسب إلى أمها امرأة ألفاس بن مضر واسمها ليلى‏.‏

والخندفة مشية كالهرولة ويقال‏:‏ خندف إلىجل إذا مشى قألفا قدميه كأنه يغترف بهما وأما غطارف فهو بالغين المعجمة والماء المهملة وإلىاء بعد الألف جمع غطريف وهو السيد وفرخ ألفازي وقحطان قبيلة مسماة باسم جدها وهو أبو اليمن وهمدان بألفال المهملة وسكون الميم قبلها قبيلة من اليمن‏.‏

وأما بالذال المعجمة وفتح الميم فبلد بالعجم‏.‏

والغساني بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة نسبة إلى غسان وهي قبيلة كبيرة من الازد شربوا من ماء غسان وهو باليمن فنسبوا إليه ومنهم بنو جفنة رهط الملوك‏.‏

ويقال غان اسم قبيلة والأسواني نسبة إلى أسوان بضم الهمزة وسكون السين المهملة وهي بلدة بصعيد مص‏.‏